يقولون بأن اللّغةَ ابتُدعت عبر الزمن كحاجة مُلحّة لوصف كل ما هو موجود في الحياة، ولكن هل يمكن أن يكون هناك شيء أو أمر ما موجود بالفعل وليس له تسمية بَعد؟؟
سأعتذر مُقدَّماً اليوم لجميع لغات العالم بكل ما فيها من مفردات ومصطلحات وسأقول ما قد يتعارض مع غنى وشمولية أبلَغِها، فأنا أجد نفسي في الكثير من الأحيان عاجزةً عن إيجاد مفردة ملائمة تعبّر تماماً عمّا يعتريني من مشاعر في لحظة ما أكون فيها بأمسّ الحاجة لإيجاد تفسير لما أمرّ به يكون على هيئة لفظ يخرج من فمي بسلاسة و يختصر كل ما بداخلي..
لا أعتقد بأنني الوحيدة التي تشعر بذلك، فالجميع لا بدّ وأن مرّ بتلك الحالة الغريبة التي عليّ ربما أن أخترعَ لها مسمىً يُلائمها أيضاً!
ما كنت لأقول كل ذلك لولا أنني شعرت منذ مدة بنوعٍ غريب من مشاعرَ جديدة قرّرت أن تحطّ رحالها في كياني لبعض الوقت، ولم أستطع أن أجد لها مفردةً تنصفها وتصيبها في الصميم، ولكن يمكنني القول بأن أقرب كلمة خلصتُ إليها وقد تفي بالغرض؛ هي كلمة “التناقض”.
نعم لقد شعرت بالتناقض!
ولكن هل يمكن أن يكون التناقض شعوراً؟
لا أعلم حقّاً، ولكن ما أعلمه بأنني عهدت التناقض في الكثير من الأمور من حولي، فالحياة ملأى بالتناقضات وربما يقول البعض بأنها برمّتها مبنية على التناقضات، ولكن تلكَ هي المرةُ الأولى التي أشعر معها بتناقضٍ متنامٍ في داخلي إلى ذلك الحدّ!
ففي الوقت الذي أستطيع فيه أن أجد مئة سبب لأن أكره الكثير من الأشياء المتعبة والمؤلمة التي نكابدها على هذه الرقعة من الأرض؛ أجد نفسي مشبعةً بحبّ أدقّ بل وأبسط تفاصيلها، متناسية تماماً كل جروحها وآلامها، وكلّ مرارة التواريخ والأحداث التي تشرَّبَتها ولا زالت!
يتناهى إلى سمعي صوت أحدهم يقول بأن ذلك الأمر ليس بالخارج عن نطاق المألوف وهناك مَن ينتابه ذلك بالفعل، ولكن مهلاً أنا لم أتحدّث عن التناقض الحقيقي الذي أحسست به بَعد!
التناقض الأكبر هو أنني وفي كل مرة أُحب فيها شيئاً ما بشدّة وأتعلّق به بشدّة أشعر بهشاشةٍ وضعفٍ كبيرين يأكلانني و يجعلانني أمقت ذلك الحبّ وذلك التعلّق!
ولكن هل يمكن للإنسان أن يكره حبّه لشيء ما؟!
وهل يوجد مفردةٌ في اللغة تعني “الكره من شدة الحب” ؟!
تتراءى لي الآن الأسطورة اليونانية التي تروي قصة بيرسيفوني المجسّدة للربيع والخصب والحصاد وكيف اختطفها هاديس ملك العالم السفلي البارد المناقض تماماً لعالمها..
بيرسيفوني؛ وبرغم معرفتها بأن كل مَن يأكل من ثمار العالم السفلي سيكون محكوماً بالعودة إليه؛ استسلمت لجوعها وأكلت من حبّات الرمّان التي سحرتها وأوقعتها بحبّ ذلك العالم إلى الأبد.
وعلى الرغم من كونها عادت إلى عالمها الأصلي الرغيد؛ إلّا أنها حُكمتْ بأن تعود لفترة معينة في كل عام إلى العالم السفلي لتتناول من ذلك الرمان مرة أخرى في حالة من الازدواجية الفائقة!
لا أدري إن كنت قد أكلت من رمّان هذه الرقعة من الأرض، ولكنني وبعد قراءتي لهذه الأسطورة؛ بدأت بإدراك أن التناقض الذي شعرت به ما هو إلا انعكاس لتعقيدات الحياة بما فيها – نحن-!.