توم وجيري في جنيف

“الغفران سمة الأقوياء” ـ مانديلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما نراه ـ وما نسمع عنه في جنيف، لا يكفي لشيء. لا للتفاؤل ولا للتشاؤم، ولا لأخذ العالم… ولا الإعلام. كأن المسألة برمتها صفقة بازار يجب التكتم على حكاياتها وأكذوباتها ريثما يتجه المدعوون إلى عشاء التوقيع.

كل هؤلاء “الكوارثيين” من البشر في سورية لا يستحقون دقيقة، كل يوم، يقال لهم فيها نصف ما جرى في ذلك اليوم؟

كل هذا المستقبل الذي يطبخونه، حتى هذه اللحظة، بطناجر البغضاء…لا يستحق أن نعرف تفصيلاً معرفياً جواباً على كيف؟ ومتى؟ كيف سيحكمنا القادمون، بعد أن عرفنا كيف حكمنا الآفلون؟ ما هي هذه السورية الجديدة. العروس المشكوكة، حتى هذه اللحظة، بالسيوف الصدئة، عروس الثورة أم الزيت والزعتر، أم مخيم الزعتري…؟ أم هذه الخلطة التي كشعوب وقبائل ومجاهل هويات، منها ما يأتي إلى جنيف، رغم البدلات، يبدو تحتها الخنجر. منها من يذهب إلى ميادين المعارك لتحسين حجم الحصص. ومنها من يستغرب من أين تأتي كل هذه الخلطات من الأسماء: خصوصاً المنصّات.

التهم التي يلوكها المتحدثون…يجب الانتباه إليها: النظام أتى ليعطل الحلول. المعارضة ما زالت تضم إرهابيين، الجعفري غاضب لأن موسكو أجبرته على وضع بند المرحلة الانتقالية في جدول الأعمال. المعارضة هذه لا تصلح للمفاوضات فهي وفد الرياض فقط …إلخ. هذه المراشقة بالحصى على نوافذ بعضهم.

لكن أعجب التهم هي بعنوان ” توم وجيري”.

أثناء انعقاد جلسات جنيف هذه رقم 4 أعلنت قيادة الجيش السوري أنها طردت داعش من تدمر، وحررتها مع الحلفاء وبمساعدة الطيران الروسي، بالكامل، وداعش هربت وتلاحقها القوات السورية.

توم وجيري: السلطة وداعش… يلعبون بتدمر وعليها.

وعلى الرغم من أن المقصود هو التآمر بدرجة التواطؤ، وأن احتلال تدمر وتحريرها، مرتين، هي مسرحية استلام وتسليم…إلا أن ذلك لا ينطبق على توم وجيري، وكان المثال ساذجاً. وقد جرى الاعتداء على الحيوانين الصغيرين، وقد دلّ الاستخدام غير الموفق، على ابتعاد ” الحريري” صاحب هذا التصريح… عن طفولته وعن أي مستوى الاحتراف السياسي في آن معاً. فما أظن أن احتلال المدن وتحريرها بهذه الخفّة.

ثمة تصريحات طائشة، ومبالغات في وصف منجزات جنيف، التي هي في واقع الأمر، لا شيء. إلا إذا كان وضع جدول أعمال مؤلف من أربع نقاط… عبقرية سياسية.

مجمل هذه الحفلات الكلامية غير المتقنة، وأنواع الجملة السياسية، التي يجري تداولها، وطريقة الوفود بالمشي والوقوف والسكوت والتعبير… كلها لا تدلنا على وجود الكفاءة المرشحة لإنجاز حل.

أربع جنيفات، وأستانتان… لم يضعوا كف سوري معارض بكف سلطوي ممانع. كل هيئة الأمم المتحدة لم تقنع أحداً سورياً شريكاً يقول لأحد سوري شريك، وبينهما مسافة البيوت المتلاصقة لا المدن المتحاربة: صباح الخير يا جار.

هؤلاء من يفترض أنهم ممثلون لمن سيؤلف سورية، بطبعتها الحديثة.

في جنيف 5 قد لا نجد هؤلاء… ولكن البديل من نفس الفصيل الذي يغري أمهات الضحايا من الطرفين بالقول: يا عيب الشوم!

أما أنا، فكالعادة، ما زلت أضع المنظار الحربي على عيني لا لأرى ميادين القتال، فقط، بل منصات جنيف…عبرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى