تونس تعيد الخط العربي إلى ساحة الفنون الملهمة

 

تسعى تونس الى إعادة إحياء فن الخط العربي الذي بات مهمشا ونادر الاستعمال، وتشارك في مبادرة عربية طموحة تهدف الى إدراج هذا الفنّ على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي وبرز اهتمام السلطات التونسية الشديد بفن الخط العربي منذ وصول الرئيس الحالي قيس سعيّد الى سدة الحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وقد لجأ الرئيس في بيان تعيين رئيس الحكومة ولائحة الوزراء التي أرسلها الى البرلمان، الى الكتابة بالحبر على ورقة سميكة تحمل شعار الرئاسة.

ويحرص الرئيس التونسيّ على إهداء ضيوفه الرسميين الأجانب لوحات فنية تحمل تعابير بالأحرف العربية. وقد أهدى الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لويز موشيكيوابو خلال زيارتها لتونس مطلع 2020، لوحة فنية تحمل حروفا عربية من إنجاز الخطاط التونسي عمر الجمني تحمل عنوان “النقطة الزرقاء”.

ويقول عمر الجمني الذي التقى سعيّد في ورشات عمل حول فن الخط في تونس العام 2015، “الرئيس التونسي يعتمد على الخط الديواني في مراسلاته الخاصة ويحرص على كتابة مراسلاته الرسمية بالخط المغربي”.

ويعدّ التخطيط فنّا وثيق الصلة بالإسلام، وقد انتقل الى شمال إفريقيا منذ القرن السابع ميلادي في سياق الفتوحات الإسلامية. وظهرت منه ستة أنواع أساسية، بينها خط “الديواني” المعتمد في مراسلات السلاطين العثمانيين، و”الكوفي” الذي استعمل في نسخ المصاحف وتغيرت تسميته بحسب المدينة التي انتشر فيها على غرار الخط المغربي، نسبة لمنطقة المغرب العربي.

وتوجد في تونس حاليا هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي هي “المركز الوطني لفنون الخط” التي أنشئت العام 1994، ومن أهدافها حماية وتطوير فن الخط العربي وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي. غير أن مصير هذه المؤسسة العمومية بات على المحك.

ويعبّر مدير المركز لطفي عبد الجواد عن “الغضب والصدمة” من قرار تحويل المركز الى متحف للمسرح الوطني التونسي الذي أعلنته وزارة الثقافة في نهاية 2019.

لكنه يقول إن “الدروس توقفت خلال الموسم الدراسي 2019-2020 نهائيا بسبب عزوف المدرسين”.

ويوضح الجمني أن “عدد الخطاطين الأصليين في تونس غير كاف ويعدّ على أصابع اليد ويعملون في ظروف قاسية” في فن لا يدرّ المال.

ويؤكد الخطاط التونسي الذي دأب على المشاركة في معارض عالمية وحاز جوائز عديدة، على “ضعف الحركة الفنية” في بلاده مقارنة بدول عربية وآسيوية، مشيرا الى التجربة اليابانية والإيرانية والمغربية في هذا المجال.

وساهمت تونس مؤخرا في مبادرة عربية تسعى الى الحفاظ على هذه المهارة. وقدّمت مجموعة من الخبراء من هذه الدول ملفا الى اليونسكو يطالب بإدراج الخط العربي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة لصون التراث غير المادي لعام 2021، على ما أفاد الباحث التونسي عماد صولة المشرف على ملف بلاده لفرانس برس.

ويعتبر صولة ترشيح فن الخط العربي “حافزا” للاهتمام به “كعنوان أساسي للهوية الثقافية وعنصر مهم لوحدة المجتمع واستمراريته إزاء تهديدات العولمة للتنوع اللساني”.

وبين الدول المشاركة في المبادرة الى جانب تونس، فلسطين ولبنان ومصر والجزائر والأردن والمغرب والعراق…

وتحظى المبادرة بدعم من السعودية التي تحتفي في العام 2020 “بفن الخط العربي” وكذلك من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو).

ويرى الجمني في المبادرة “ردا للاعتبار للهوية ورفعا لمعنويات أهل الاختصاص”.

ويرجع الباحث عماد صولة تقلص استخدام فن الخط العربي الى حدّ بعيد الى “بعض التطبيقات الإعلامية التي تحدّ من طابعه الفنّي والجمالي وتحوّله الى كائن افتراضي، والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة” تعتمد على أشكال مختلفة كالنقائش والنقود والأواني الفخارية والمنسوجات والمعادن.

بين الدول المشاركة في المبادرة الى جانب تونس، فلسطين ولبنان ومصر والجزائر والأردن والمغرب والعراق ويعزو عمر الجمني أسباب “انتكاسة” هذا الفنّ الى “استبعاد الثقافة الإسلامية بطريقة عنيفة وغير مدروسة منذ ستينات القرن الماضي”.

وحدث في تلك الفترة صدام شديد بين الرئيس الراحل حبيب بورقيبة (1956-1987) وعلماء جامع الزيتونة انتهى بتعليق نظام “التعليم الاسلامي” ومصادرة ممتلكاته ومن بينها آلاف المجلدات والمخطوطات التي تحمل بصمات فنّية.

وجامع الزيتونة هو ثاني جامع يبنى في شمال إفريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان في وسط غرب تونس.وانبثقت عنه “جامعة الزيتونة” التي كانت أول جامعة علمية في العالم الاسلامي ومن خريجي جامع الزيتونة العريق العام 1932، عميد الخطاطين التونسيين محمد الصالح الخماسي الذي ساهم في وضع ركائز المدرسة الخطية في تونس وتتلمذت على يديه أجيال من الخطاطين التونسيين.

ويشدّد الخطاطون الشباب على “ضرورة البحث عن أساليب فنية جديدة تتماشى وروح العصر لكي لا يطالنا الصدأ ويفوتنا الركب ويعدّ الخطاط الثلاثيني بين الأوائل في العالم العربي الذين قاموا بتطويع الضوء عوض القلم الخشبي، كأداة لكتابة الأحرف العربية في الفضاء ووسط الظلام. وكتب الجباري الذي حاز العام 2015 “الجائزة الدولية للفنون العامة” بين ثلاثين أفضل فنان في ميدانه في الصين، بهذه التقنية، في 2011، في بلدته في قصرين في وسط غرب تونس، أسماء “شهداء الثورة التونسية” الذين قتلوا خلال مواجهات سبقت سقوط الرئيس زين العابدين بن علي.

ويوضح الخطاط الذي يعتمد في رسوماته على خطي الكوفي والمغربي، أنه “اختار المزج بين فن قديم وتقنيات حديثة لتقريب لغتنا الى الشباب“. ويقول عمر الجمني الذي يعمل حاليا على لوحة فنيّة خطّية “غير مسبوقة”، بحسب قوله، “أريد تقديم تراثنا بعيون معاصرة لإلهام الأجيال الصاعدة”.

 

 

ميدل إيست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى