تونس تعيد الدرس.. هل تقفز التيارات الإسلامية على الحراك الاجتماعي مرة أخرى؟!

قامت تونس بأول حراك اجتماعي سياسي في دولة عربية في نهاية عام 2010. كانت نسبة البطالة 10%. وبعد حوالي 5 سنوات من التغييرات والانتخابات والتحولات، وصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 15%.

من الواضح أن الدرس التونسي الأول لم يأت بالنتائج المرجوة. فالانتفاضة الجديدة في تونس اندلعت في 19 يناير/ كانون الثاني الحالي لنفس الأسباب تقريبا. فالشعب التونسي حافظ على مكاسبه السابقة في مجالات عدة، على رأسها حرية المرأة، وحرية إقامة الأحزاب وإلزام الدولة بالحفاظ على نشاطاتها، وعلى الشكل العلماني لواحدة من أهم الدول العربية في هذا المجال.

يبدو أن التونسيين مصممون على المضي قدما إلى الأمام، بعد أن نجحوا في إبعاد الغطاء الديني الذي تصور أصحاب “حركة النهضة” أنهم نجحوا في إمكانية إلباسه لهذا البلد. ففي أحداث 2010/ 2011 تمكن الشعب التونسي من إزاحة نظام الرئيس زين العابدين بن علي. وبعودة زعيم “حركة النهضة” راشد الغنوشي من لندن يوم 30 يناير 2011 محاطا بجيش من الصحفيين وعشرات الكاميرات في مطار قرطاج الدولي، انتبهت تونس للفخ. ولكن التونسيين التزموا بمنهج التجريب السياسي والنضالي الذي أقنع حركة النهضة بأن الزمن ليس زمنها، فانسحبت في هدوء. ولكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة.

العاصفة الآن تبدأ بسبب أخطاء منهجية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتكبها الحكومة، وفي ظل الإرهاب الذي يهدد تونس وشمال أفريقيا كله، وعلى خلفية الإرهاب الذي يضرب سوريا والعراق. وبالتالي، لا يمكن تبرئة الحكومة التونسية من الإسهام في اندلاع موجة الاحتجاجات الجديدة التي تعتبر أخطر بكثير من ما كان عليه الأمر منذ 5 سنوات للأسباب المذكورة أعلاه.

الأخطر أن تستغل القوى الدينية، وعلى رأسها حركة النهضة هذه الانتفاضة الواسعة لاختطاف الكعكة مرة أخرى، وتحويل اتجاه المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للتونسيين إلى طريق عكسي يعيد ما حدث، سواء في تونس أو في مصر، أو ما يجري حاليا في سوريا وليبيا.

السيناريو السابق يكاد يتكرر بشكل مثير للقلق. فالسلطات التونسية، وبعد 3 أيام فقط من اندلاع الأحداث، تفرض نظام حظر التجوال في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يشكل خطورة، حيث تم كسر هذا الحظر عندما فرضته السلطات في مدينة القصرين في أول أيام الاحتجاجات. ومن جهة أخرى، فمن الطبيعي أن يتم فرض إجراءات معينة، نظرا للتهديدات الإرهابية التي تواجه تونس كما تواجه بقية دول شمال أفريقيا. وكذلك من أجل تفادي أي عمليات إرهابية قد تقوم بها خلايا نائمة تنتمي لهذه الجهة أو تلك.

دول كثيرة في شمال أفريقيا تنظر الآن إلى ما يجري في تونس، باعتبار هذا البلد مقياس لدرجة الحرارة الاجتماعية والشعبية. بينما الكرة في ملعب الحكومة التونسية، وخاصة في ظل عدم وجود أي قوى دينية في المشهد بشكل رسمي. أي أنه من الصعب الآن انتهاك القانون ضد المتظاهرين والمحتجين بحجة وجود قوى دينية تريد الاستيلاء على السلطة. فأسباب الانتفاضة واضحة ومعلنة، وأقصر طريق لمعالجة هذه الأسباب هو مواجهتها والتعامل معها بجدية لإنقاذ تونس من احتمالات قديمة قد تتكرر بشكل أكثر قسوة، وللحفاظ على تونس من الوقوع في مصيدة الإرهاب الذي ينتظر أي فرصة للانقضاض واستثمار أي حالات فوضى ليوجه ضرباته إلى المدنيين والعسكريين ومؤسسات البلاد.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى