تيار «التفكير المصمّم» يكتسح صفوف شركات المعلوماتيّة

ثمة عبارة شائعة تقول أنه إذا لم تستطع تغيير شيء ما، فيجب أن تغيّر نظرتك إلى ذلك الشيء. وهناك عبارة أخرى تفيد بأنّ المنطق بإمكانه أن يأخذك كحدّ أقصى من الألف إلى الياء، لكن المخيّلة الجيّدة تأخذك إلى أي مكان تريده. وتكمن قوة المخيّلة في أنها توسّع آفاق العقل، بل تساعد على رؤية ما هو أبعد من الصورة الواضحة، وتذهب إلى أكثر مما هو متوقّع. بكل بساطة، تعالج كلمات العبارتين السابقتين إحدى أصعب العوامل في الحال الإنسانيّة، وهي اعتقادنا العميق والراسخ بأننا غير قادرين على إحداث تغيير فعّال، وأن الناس الذين يحدثون تغييراً في العالم هم من نسيج مختلف عنّا.

واستطراداً، نميل غالباً للتفكير في أن أولئك المُغيّرين لديهم القدرة على إثارة الابتكار الإيجابي في قلب كل واحدٍ منّا، وتحريك الخيال اللازم لتحقيق ذلك. إنّها معادلة بسيطة، لكنها رائعة أيضاً. إذاً، كيف يمكننا توظيف قوة المخيّلة الإيجابيّة في شكل فعّال وجيد؟
إذا تمكّن كلٌ منّا أنّ يفكر جدياً في مروحة المشكلات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فالأرجح أن يجد أيضاً عدداً كبيراً من الحلول المقترحة لحلها. وغالباً ما يأتي معظم تلك الحلول من مصدر مشترك يتمثّل في مفهوم الإدراك الإبداعي. ولّى زمن الاعتقاد التقليدي بأنّ معجزات الأطفال كفيلة بتغيير العالم. وفي ما تبدو معجزات الأطفال كأشياء جميلة ورائعة، يقع البشر بمعظمهم في دوامة الامتثال للأعراف، ولا يتجرّأون تالياً على خوض غمار التجربة، بل يلجأون إلى الاختباء خلف دوائر الأمان في حياتهم.

التمرّد يغيّر العالم
يشير البروفيسور آدم غرانت، الأستاذ أكاديمي في «جامعة بنسلفانيا»، الى أن غالبية الناس تميل إلى أسلوب تلبية التوقّعات، وبالتالي تفشل في أن تكون أصيلة.
وفي 2016، صدر كتاب لغرانت عن هذا الموضوع عنوانه «أصيلون: كيف يحرّك غير المتوافقين العالم» (Originals: How Non- Conformists Move the World).
تتطلّب الثورة الإبداعيّة مشاركة أفراد عاديين يعيشون حياتهم في شكل طبيعي، وهو أمر بات ممكناً في المجتمعات المعاصرة بفضل التكنولوجيّات الحديثة. وأصبح الأفراد اليوم صنّاع الأفكار، ما غيّر مساحات واسعة من الثقافات، كما بدّل مسارات عدّة في عوالم الأعمال والسياسة على حد سواء.

ووفق غرانت المختص في علم نفس المنظّمات (Organizational Psychology)، يعلم معظمنا أنّ تغيير العالم ليس حكراً على أشخاص معينين، بل على العكس تماماً. ويرى أن الجميع يمتلك ما يلزم لجعل العالم مكاناً أفضل. ويعود إلى ظاهرة نفسيّة شائعة هي «رأيته من قبل» (بالفرنسيّة «دي جا فو» Déjà vu) التي تعني أنّ الأشياء الجديدة تبدو مألوفة وقديمة. ويحثّ على قلب تلك الفكرة رأساً على عقب، بمعنى تجديد النظرة إلى الأشياء المألوفة القديمة كي تبدو جديدة، فلا نغرق في أفكارنا السابقة في شأنها. ويقلب لفظة «فو جا دي» لتصبح «في جا دي» Vuja de فتكون اسماً لفكرة قوامها تجديد النظر إلى المشكلات القديمة التي طالما ذهب الظن بنا إلى أنّها لن تتغيّر. ويعتبر ذلك المفهوم القلب النابض لما تسمّيه المؤسّسات «التفكير المصمّم» (Determined Thinking).

إرادة وتفاؤل وإبداع
تميل شركة «سي.إم.إي» (CME) إلى تبنّي التجديد بأنواعه المختلفة، بل تضع التفكير المصمّم في مقدّم المنهجيّات التي ترى فائدة في نشرها بين صفوف العاملين فيها. وتمثّل «سي.إم.إي» شركة متعدّدة الجنسيّة، ومختصّة بتقنيات المعلوماتيّة والاتصالات
، كما توفّر حلولاً هندسيّة متكاملة في حقل عملها، الذي يبدأ بالاستشارات ولا ينتهي عند الأجهزة الذكيّة والبرمجيات المؤتمتة المتطوّرة. وتتمتع أيضاً بسجل ذهبي وضعها بين أغنى 500 شركة أميركيّة حاضراً.

وتكمن قوة تميّزها في خبراتها التكنولوجيّة المختصة التي تساعد زبائنها في تحقيق الريادة في الأعمال، والمحافظة على مستوى متقدّم من الأداء في نشاطاتهم.
وتضمّ صفوف «سي.إم.إي» فريقاً بمستوى عالمي مؤلّف من 300 مهندس، يسعى جاهداً إلى اتّباع منهجيّة التعدّد الثقافي، والعمل على حلول استراتيجيّة وعالميّة مبتكرة.

وتعمل الشركة في لبنان منذ ما يزيد على عشر سنوات. وتحرص على الحفاظ على فريق عمل متكاتف، الأمر الذي يسمح له بأن يكون مرناً ومتجاوباً في شكل يتفوّق على نظرائه في شركات كبيرة أخرى. ومكّنت تلك المقاربة الشركة من تطوير قدراتها في ما يربو على عشرة قطاعات مختلفة، ونجحت في بناء علاقات متينة مع زبائنها.
ووفق غرانت أيضاً، ليست مهمة صعوبة المشكلة أو عدم كفاية التمويل، فالأهم هو عقد العزم على تغيير المشكلات عبر تغيير طريقة النظر إليها. وإذ يمتلك الناس قدرة على تبديل مقاربتهم للأشياء، تكون الإرادة والتصميم أداتهم في تغيير العالم، خصوصاً عندما يشارك بعضهم بعضاً في ذلك السعي.

ولعله ممكناً اعتبار «التفكير المصمّم» نوعاً من خلطة سريّة تمكّن الشركات والمؤسّسات من دخول عوالم المنافسة، عبر التركيز على استنباط أفكار تكون مرتبطة بالحياة اليوميّة للبشر. وتملك تلك الخلطة أهمية خاصة بالنسبة لشركات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، إضافة إلى شركات الإعلان والعلاقات العامة والاستشارات المتنوّعة وغيرها.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى