
تعالوا لأُحدّثكم عمّا يعنيه الوطن حقًا…
حين سافرتُ أنا وأخي، أوصينا جارنا، جار الباب بالباب، أن يُطَمئن على والدتي. فصار، كلّما سمع وقع خطواتٍ أو صوت حركة، يطرق بابها ويسأل عنها، يتأكد من أنها بخير، لا ينقصها شيء.
وحين تسافر والدتي، تُوصي الجارة أن تمرّ على البيت وتسقي لها الزرع…
هذه هي الروح التي نشتاق إليها في الغربة، ونتغزّل بها كلّما تذكّرناها.
هي الحارات العتيقة التي حفظت خطواتنا، والأسواق القديمة التي احتضنت صخب حياتنا،
هي صوت الأذان ممزوجًا بجرس الكنائس، هي ضجيج الطرقات المزدحمة في الأعياد،
هي نُزهة في الغوطة أو الربوة، ولعب الطفولة تحت البناية مع أبناء الجيران…
هي عزومة إفطار في رمضان، ومعايدة دافئة في عيد الفصح أو الميلاد،
حين كان جيراننا جميعًا يأتون لبيتنا ليشاركونا فرحة العيد، ويذوقوا المعمول وبيض العيد الملوّن،
وكنا نردّ لهم المحبة في عيد الأضحى والفطر، فنحمل الفرح إلى بيوتهم كما حملوه إلينا.
كنّا العائلة المسيحية الوحيدة في البناية، لكننا لم نشعر يومًا بأننا “قلّة” أو “غرباء”.
في الشام، أطمئن أن أمي بين أطيب وأصدق وأوفى الناس…
ناسٌ تحمل النخوة في قلوبها، والصدق في كلامها، والأمانة في أفعالها.
هذه هي سوريا… هذه هي الروح… وهذا هو الوطن الذي نحبه ونشتاق إليه.
وهو الوطن الذي عشناه وسنبقى نعيشه، في قلوبنا، وفي ذاكرتنا، وفي كل خطوة نحو مستقبل نريده أكثر دفئًا ومحبة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة