ثقافة الوهم

الوهم يحول القطط العادية إلى …نمور
________________________________________

الصحراء…بفضل السراب وبسببه، تغذّي ثقافة الوهم. وربما تجعل بعض الناس يفكرون بأنهم أنبياء، أو متنبئين.

في مدن السياسة، ذات النوع الصحراوي، يقيم الوهم مشروعاً مكلفاً للتجارة بالماء البارد، تلك المادة، أخت الحياة، في صحراء ظامئة، تلك السلعة التي يدفع في الحصول عليها الظمآنون أموالهم دون حساب. هذا المشروع النادر الذي لم يفكر به أحد من قبل…

ولكن، بعد إقامة المشروع، وتدشينه الذي حضره البدو والحضر. شركات الاستثمار وشركات تسويق الوهم، بعد الخطابات المنتفخة لأصحاب المشروع، والشرح المتباهي لمنفذي تكنولوجيا الماء البارد…شرب الجميع بدل الكحول أنخاب الماء، وسرت البرودة المنعشة في قيظ العروق… وشكر الجميع الله، والشركات الأجنبية الشقيقة.

إلا أن المفاجأة الكبرى، خلال الأشهر المتعاقبة ظهرت أهم فقرة مخفية في دراسات المشروع…..

لم يحسب أحد أن المارين من هناك هم، فقط الرعيان، وبعض التائهين، وذئاب البوادي وغزلانها. وكلهم لا يدفعون دولاراً، ولا يعرفون الدولار.

أهم فقرة في المشروع لم تدع مجالاً للشك بتعاون الحلف التقليدي : الغش المتعاون مع الغباء، مع المال الحرام.

صديقي الكاتب الروائي حيدر حيدر، في إحدى رواياته يقول:

“نحن في حالة حصار الزمن الرعوي، والجمال المهتاجة برائحة الدم… الرعاة. البدو. الأجلاف…هم سادة هذا الزمن”.

وبالطبع….ثقافة الوهم أخطر من هكذا خسائر، والنموذج الآنف الذكر ،حول دراسات الجدوى الاقتصادية، يوازيه في ثقافة الوهم عدم دراسة “الجدوى الحربية” من حروب ماضية (كالحرب العراقية مع إيران وأمريكا). وحاضرة (كالحرب في سورية، واليمن، وليبيا، والعراق).

ثقافة الوهم تجعل الحاكم العربي يظن أنه يفهم في كل الأشياء، ويدير أعظم المشاريع، ويزج البلاد في أنجح الحروب. وبالطبع يمكنه التفاخر بأفضل المهارات وهي “مهارات زيادة الأعداء عدواً آخر”.

ثقافة الوهم…تجعل الإعلام إعلاناً. والكذب وجه آخر للحقيقة، والقرار الأحمق تمجده النرجسية الوطنية، أو القومية، أو الثروة، أو الموقع الحيوي…بل هناك مستشارون عند الحاكم العربي مهمتهم توجيه العقل السلطوي إلى فخ منصوب على مسافة محسوبة من الخطى الحمقاء المندفعة باتجاهه.

إن أفضل تجليات ملموسة لثقافة الوهم: النصر الكاذب في حرب أكتوبر/ 1973 حيث قاد إلى وهم السلام بخطوة نرجسية حمقاء قام بها السادات، وهي خطوة آتية، على نحو ما، من ثقافة الوهم الصحراوية… محذوفاً منها النيل، وثقافة الري وحضارة الزراعة والماء….

ثقافة الوهم تمحو النيل والفرات والأمازون أيضاً.

ثقافة الوهم عند صدام حسين: أراد ضم الكويت فمزق العراق.

ثقافة الوهم اليوم تدفع بأبطال الهزائم السورية، في الطرفين، إلى إطالة الحرب بحثاً عن النصر.

ثقافة الوهم قادت السعودية الى دمار اموالها ، التي لاتملك مزايا سواها.

ثقافة الوهم ملخصة بواقعة “القط المتلذذ بلحس المبرد، ظاناً أن الدم السائل هو دم هذه القطعة الجارحة من الفولاذ… وليس دم لسانه”.

ثقافة الوهم تجعل الحاكم المتنمر…قطاً عادياً !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى