ثلاثة «سيناريوهات» مصرية (هاني شادي)

هاني شادي

مرّ عامان على «ثورة الغضب» المصرية، التي أطاحت بمبارك ومشروع التوريث، والتي حددت أهدافها بـ«الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية». وهذه الأهداف، في حد ذاتها، تعكس طبيعة الثورة المصرية كثورة شعبية ديموقراطية وطنية اجتماعية تعمل على «القطيعة» مع الماضي، وترفض «إعادة إنتاجه» من خلال الشعار الرئيس «الشعب يريد اسقاط النظام». غير أن ما جرى مع ثورة «شباب النيل» على مدار العامين الماضيين يؤكد بوضوح أن «الإخوان» والسلفيين، ومن قبلهم «المجلس العسكري»، لم يفهموا بعد طبيعة الثورة المصرية. لقد قدم «حُكام مصر الجدد» كل ما يلزم من تعهدات لـ«العم سام» وللإسرائيلي المغتصب، مقابل وعود بمنح وقروض مغلفة بشروط صندوق النقد الدولي، والتي ستزيد من معاناة غالبية الشعب المصري، وإفقار الفقراء وزيادة ثراء القلة الثرية.
لقد وصل «الحُكام الجدد» إلى السلطة في مصر عبر صناديق الانتخابات المرصعة بشعارات الديموقراطية والحرية، ولكن هذه الصناديق أخفت حقيقة شراء الأصوات بـ«الزيت والسكر والطحين»، بالإضافة إلى استخدام المساجد والشعارات الدينية في الحملة الانتخابية، وهو ما تُجيده جماعة «الإخوان المسلمين» ومن معهم من تيارات «إسلامية» أخرى. وبالمناسبة، هم كانوا يستخدمون الأدوات نفسها عندما كانوا يشاركون في انتخابات عهد «المخلوع»، مثلهم في ذلك مثل «الحزب الوطني الديموقراطي»، الذي كان يُهمين على الحياة السياسية.
وفي الانتخابات الرئاسية، التي جرت صيف العام الماضي، حُشر الشعب المصري في الجولة الثانية من تلك الانتخابات بين مرشح «الفلول» أحمد شفيق، ومرشح «الإسلاميين» محمد مرسي، أي بين «ممثل الماضي» و «ممثل إعادة إنتاج الماضي»، وإن في شكل جديد . وفي الغالب لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن هذه المعادلة، التي استهدفت إجهاض ثورة «شباب النيل» والتصدي لطبيعتها ومضمونها الشعبي الديمقراطي الاجتماعي . وهنا لابد، برأينا، التشديد على أن الثورة المصرية نتجت عن ظروف موضوعية وذاتية داخلية، وقام بها في المقام الأول الشباب المنتمي للطبقة الوسطى، الذي نجح في جذب ملايين أخرى من أبناء الشعب المصري ليخلعوا مبارك. وبعبارة أخرى، هذه الثورة لم تكن «صناعة أميركية أو غربية»، كما يحلو للبعض الترديد. ولكن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، عمل ومنذ اللحظة الأولى على احتواء وإجهاض هذه الثورة، وابعادها عن مضمونها الحقيقي عبر ترتيب الأوضاع الداخلية في مصر بالرهان على القوى الإسلامية. وهذا ليس غريبا أو جديدا على واشنطن، فأي حراك شعبي وطني يطالب بالتغيير الجذري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كان يقف ضده، على الدوام، نظام الرأسمالية المتوحشة المستبدة بقيادة الولايات المتحدة. غير أن السياسة الأميركية ورهاناتها ليست قدرا محتوما، والدليل على ذلك أن الثورة المصرية لا تزال مستمرة، وترفع شعارها الأساسي «الشعب يريد اسقاط النظام»، احتجاجا على سياسات «الإخوان» وحلفائهم من التيارات الاسلامية، الذين «ركبوا» قطار الثورة متأخرا، واحتجاجا أيضا على رهانات «العم سام».
إن الشهور الماضية من حكم «الإخوان» في مصر تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أنهم يعملون على إعادة إنتاج نظام مبارك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا (مرحلة التمكين)، كمرحلة أولى للانتقال بعد ذلك إلى مرحل «التمكُن» من مفاصل الدولة المصرية بأكملها. ولكن ما يقومون به يواجه معارضة جذرية من «أصحاب الثورة الحقيقيين»، ومعارضة «أقل جذرية» من جبهة «الإنقاذ الوطني». ويمكن تصور ثلاثة سيناريوهات للآتي في مصر.
السيناريو الأول، ونُطلق عليه «الاستبداد الناعم»، والذي يتضمن تغليف سياسات «التمكين» و«التمكُن» الإخوانية بغلاف ديموقراطي شكلي، جوهره إصدار مجموعة من القوانين والتشريعات عبر البرلمان لتقييد الحريات تحت شعارات مثل «سيادة القانون» و«انتهاء مرحلة الثورة وبداية مرحلة بناء الدولة». فمحاكمات بعض الصحافيين بتهمة «إهانة الرئيس»، وتلفيق التهم لبعض المنظمات الحقوقية والشخصيات السياسية هي مقدمات واضحة لهذا «السيناريو». وقد لا يشهد هذا «السيناريو» مواجهات كارثية بين أجهزة الأمن الرسمية والمعارضين الجذريين وغير الجذريين، ولكن باسم القانون والديموقراطية ستتم ملاحقة من يعارض حكم «اليمين الديني» في مصر.
السيناريو الثاني، ونسمّيه «الاستبداد المباشر»، والذي قد يتمخض عن السيناريو الأول. ومن خلال هذا السيناريو سيُظهر «اليمين الديني « الحاكم في مصر وجهه الحقيقي عبر وقوع صدامات قاسية لتصفية المعارضين وعلى رأسهم شباب الثورة سواء عن طريق استخدام الأجهزة الأمنية الرسمية أو الميليشيات المسلحة التابعة له. وقد تجلت مقدمات هذا السيناريو في اعتداء ميليشيات «الإخوان» المسلحة على المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية (القصر الرئاسي) أثناء معركة الإعلان الدستوري والاستفتاء مطلع كانون الأول المنصرم. وسيتوقف تنفيذ السيناريوهين المذكورين على مدى تصدي الشارع لهما.
أما السيناريو الثالث، فهو سيناريو «الثورة مستمرة»، والذي يفترض مواصلة الاحتجاجات السلمية حتى تتحقق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولا نبالغ إذا قلنا إن مستقبل مصر وشعبها والمنطقة برمتها يتوقف على هذا السيناريو. ويساعد على إنجاح هذا السيناريو، برأينا، العجز المؤكد «للإخوان» ومن معهم عن تحقيق طموحات الشعب المصري. ولكن سيناريو «الثورة مستمرة» لا يحتاج إلى «الإحباط» أو «الحنين» لأيام «المخلوع»، وإنما يحتاج إلى الاصرار على «القطيعة» (بمعناها السياسي والاقتصادي والاجتماعي) مع «الماضي» ومحاولات «إعادة إنتاجه».

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى