ثلاثة تطورات رئيسية تؤكد مقولة السيد نصر الله بأن حلفاء أمريكا يعتبرون الوجود التركي وليس الإيراني هو الخطر في سورية
كان السيد حسن نصر الله امين عام “حزب الله” دقيقا في اشارته التي وردت في حديثه الى محطة “الميادين” عندما قال ان أصدقاء أمريكا في المنطقة العربية يعتبرون الوجود التركي، وليس الإيراني، هو الخطر الأكبر، ولهذا بدأوا في فتح سفاراتهم في دمشق، والقيام بزيارات سرية اليها على اعلى المستويات.
هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية يمكن رصدها تؤكد هذا التحول الاستراتيجي:
الأول: الاجتماع المفاجئ لوزراء خارجية الدول الست في البحر الميت (الأردن، السعودية، مصر، الامارات، البحرين، والكويت)، الذي اتسم بالغموض وغابت عنه كل من سلطنة عُمان ودولة قطر، وجميع هذه الدول، لا تكن أي ود لتركيا، واعادت معظمها علاقاتها مع الحكومة السورية وفتحت سفاراتها، وهناك من يؤكد ان فتح السفارة السعودية في دمشق بات وشيكا، وجاء استثناء دولة قطر من المشاركة في هذا الاجتماع متعمدا بحكم علاقاتها التحالفية الاستراتيجية مع انقرة، بينما أفادت مصادر دبلوماسية ان سلطنة عمان غابت عنه لرفضها في اتخاذ موقف حيادي.
الثاني: التصريح الذي أطلقه الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية، واعلن فيه رفض بلاده إقامة منطقة عازلة شمال سورية، داعيا الى حماية الاكراد في اطار سورية الموحدة.
الثالث: اتهام السيد مولود جاويش اوغلو، وزير خارجية تركيا، دولا في التحالف الأمريكي بدعم جبهة النصرة في ادلب في محاولة لنسف الاتفاق الروسي التركي بوقف التصعيد في المدينة مشيرا بأصبع الاتهام الى الولايات المتحدة دون ان يسميها
جميع هذه المؤشرات الثلاثة توحي بأن الخطط التركية للإشراف على المنطقة العازلة التي يريد الرئيس الأمريكي اقامتها شمال سورية بعمق عشرين كيلومترا تواجه عقبات كبيرة، وان هذا الاقتراح الذي طرحه الرئيس ترامب بعد إعلانه سحب القوات الامريكية كان مصيدة، وليس انعكاسا لنوايا أمريكية جدية لإصلاح العلاقات مع تركيا بعد تهديدات ترامب بتدمير اقتصادها.
الروس أيضا يعارضون هذه المنطقة العازلة وأكدوا ضرورة عودة الجيش العربي السوري اليها لحفظ الامن فيها، باعتبارها أراضي سورية، حسب ما جاء على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف.
الرئيس ترامب عندما هاتف الرئيس اردوغان في شهر كانون اول (ديسمبر) الماضي، لإبلاغه بقرار سحب قواته من سورية، وقوله له “انا انسحب من سورية انها كلها لك”، كان في الواقع يلقي بقنبلة شديدة الانفجار في حجره، وليس هدية العام الجديد، ومن تابع زيارة السيدة الهام احمد، رئيسة الهيئة التنفيذية في مجلس سورية الديمقراطية (كيان ذاتي كردي من طرف واحد في الشمال)، الحالية للولايات المتحدة بدعوة رسمية، يدرك بعض تفاصيل حقيقة السياسة الامريكية المخادعة للطرفين التركي والكردي معا، فقد استقبل الرئيس ترامب السيدة الهام يوم الاثنين، واكد لها ان أمريكا لن تتخلى عن دعم الاكراد، ولن تسمح لتركيا بمهاجمتهم وقتلهم، وصرحت بعد هذا الاجتماع بأنه لا يوجد أي مؤشر على الأرض على سحب القوات الامريكية من شمال سورية.
لا نستبعد ان يقوم الرئيس اردوغان باتخاذ قرار بالإقدام على “ضربة استباقية” في ادلب، بشن هجوم بالتنسيق مع الروس والإيرانيين للقضاء على هيئة تحرير الشام (النصرة) التي باتت تسيطر على أكثر من 90 بالمئة من المدينة، تنفيذا لتعهدات سابقة للروس، واتهام السيد جاويش اوغلو لأمريكا، وللمرة الأولى، بدعم هذه الهيئة ربما يكون الغطاء والمقدمة لهذه الضربة.
المنطقة تشهد سباقا شرسا من اللاعبين الرئيسيين، كبارا وصغارا، لكسب الود الرسمي السوري، فالخلوة السياسية السداسية في البحر الميت كان موضوعها الرئيسي الوجود التركي في سورية، وكيفية إعادة الأخيرة الى الجامعة العربية والعمل العربي المشترك، وهناك تسريبات تقول بأن السعودية ودول خليجية أخرى اسقطت في هذه الخلوة شرط ابتعاد سورية عن ايران كشرط لإعادة العلاقات معها، وان رسالة في طريقها الى دمشق، ربما يحملها وزير الخارجية الأردني، تؤكد هذا التحول، وقمة الرئيسين اردوغان وبوتين في موسكو تحدثت فجأة عن “اتفاقية اضنة” التي ماتت وشبعت موتا، وتحولت عظامها الى مكاحل، وإعادة احيائها مجددا، مما يعني التمهيد لمحادثات بين انقرة ودمشق حول تطبيقها بعد الموت السريري للمنطقة الحدودية العازلة في الشمال السوري، نظرا لمعارضة معظم الأطراف المعنية لها.
من الذي سيفوز في هذا السباق بقلب دمشق “المتدللة”، الاتراك، ام أعضاء “خلوة البحر الميت” الأكثر تلهفا وشوقا؟
القمة الثلاثية القادمة بين بوتين واردوغان وروحاني التي من المقرر ان تعقد في غضون الأسبوعين القادمين في موسكو او انقرة قد تجيب عن هذا السؤال، اما دمشق فستستمر في الدلال وتراقب في الوقت نفسه نوايا طارقي أبوابها، واختيار الأنسب الذي يخدم مصالحها ومحور المقاومة الذي تنتمي اليه.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية