
يُظهِر تشابك مواقف الكونغرس تجاه عقوبات «قيصر» تعثّر رفعها، وسط شروط مشدّدة تُبقي الاستثمار مقيّداً وترهن المسار السوري للحسابات الأميركية الإسرائيلية.
في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن تراجع أحد صقور معارضي إزالة عقوبات «قيصر» المفروضة على سوريا عن معارضته تلك، يبرز موقف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، براين ماست، بوصفه استمراراً للنهج السائد لدى عدد من أعضاء المجلس، والذي يربط رفع العقوبات بوضع بند واضح يتيح إعادة تفعيلها في حال عدم تنفيذ جملة من الشروط المُحدّدة. وهو ما يعيد النقاش حول مشروع القانون الذي مرّره مجلس الشيوخ، الشهر الماضي، بعد شطب البند الذي يتيح إعادة فرض العقوبات تلقائياً.
وإذ يعكس الموقف الجديد الذي أبداه ماست – الذي التقاه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال زيارته لواشنطن في العاشر من الشهر الجاري – تبدّلاً في تشدّده السابق، لكنه، في الوقت نفسه، يفتح باباً واسعاً للجدل حول إعادة إدراج البند المذكور، الذي يحاول عدد من أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، بالتعاون مع اللوبي السوري، تجاوزه بهدف توفير ضمانات ورفع مستوى الثقة بالاستثمارات في سوريا، إذ إن وجود بند يتيح إعادة فرض العقوبات يعني عملياً أن أي استثمار في سوريا سيظلّ عرضة، في أيّ لحظة، لمخاطر متعلّقة بالعقوبات الأميركية.
على أن الشروط التي يصرّ عليها ماست (12 شرطاً وآلية «عودة فورية» للعقوبات في حال عدم الالتزام)، والتي تجري محاولة تحويلها إلى «بنود غير ملزمة»، تتمحور، بشكل أساسي، حول مراقبة سلوك الحكومة السورية، والتثبّت من مشاركتها في «محاربة الإرهاب»، وضمان «أمن دول الجوار» بما فيها إسرائيل، بالإضافة إلى إقامة نظام ديمقراطي «يمثّل جميع السوريين». وهذه الشروط تمّ إدراجها فعلاً في المسوّدة التي مرّرها مجلس الشيوخ سابقاً، والتي يبدو أنها تواجه بعض الصعوبات في تمريرها في مجلس النواب، وفق المسار الطبيعي الذي تمر به التشريعات قبل إقرارها.
التصريحات التي أطلقها ماست، والتي أعلن خلالها موقفه الجديد غير المعارض لرفع العقوبات، تضمّنت تشديداً على ضرورة وجود بنود مُلزِمة للحكومة السورية، إذ قال: «موقفي لا يتعارض مع إدارة ترامب التي تدعم الإلغاء الكامل، لكنّ ترامب لا يملك صلاحية التنازل عن العقوبات إلا لمدة ستة أشهر فقط». وتابع: «أريد إلغاء كاملاً للعقوبات، على أن تكون هناك آليات ــ أو شعور عام ــ بأن العقوبات يجب أن تعود إذا لم يتم الوفاء بعدد من الشروط». وزاد: «أريد إلغاء كامل العقوبات وأن تكون هناك آليات أو بالأحرى شعور بأن العقوبات يجب أن تعاد إذا لم يتم الوفاء بعدد من الشروط».
وأمام الجدل القائم في مجلس النواب، بين مؤيّدين لإزالة العقوبات بشكل نهائي، ورافضين لذلك، وفريق ثالث يسعى إلى إيجاد حلّ وسطي عبر إضافة بند يتيح إعادة فرضها، يبدو أن معالجة هذه المسألة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الوقت، الأمر الذي يعني فعلياً استمرار السياسة التي يتّبعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر منح استثناءات لمدة 180 يوماً من تلك العقوبات. ومن شأن هذا الوضع أن يسهّل عمل المستثمرين، من دون إزالة العائق الأكبر أمام إقامة الاستثمارات، المتمثّل في إمكانية عودة العقوبات في أي وقت يتغيّر فيه مزاج الإدارة الأميركية إزاء سوريا.
وعلى أي حال، يظلّ هذا المسار مرهوناً بتغيير المواقف داخل أروقة المجلس التشريعي الأميركي، والتوصل إلى صيغة تُنهي العقوبات بشكل كامل، بما يتوافق مع تطلعات البيت الأبيض الداعمة لرفعها. وتندرج هذه التطلعات الأخيرة في سياق مبادلة تبني السلطات الانتقالية لمسار الانخراط في «التحالف الدولي ضد داعش»، وتقديمها تعهّدات بضمان «أمن الجوار»، بالإضافة إلى مساعيها للانفتاح على إسرائيل التي تواصل تشديد شروطها في مواجهة حكومة الشرع.
صحيفة الأخبار اللبنانية



