ثنائية «أنا شهيرة أنا الخائن» … الحكاية والحكاية المضادّة
عن الثنائية الروائية «أنا شهيرة» و «أنا الخائن» للروائية السعودية نور عبدالمجيد، عُرض أخيراً على شاشات الفضائيات العربية مسلسل «أنا شهيرة… أنا الخائن» في جزءين، بطولة ياسمين رئيس، أحمد فهمي، خالد زكي، أحمد فؤاد سليم، ولاء الشريف، علاء قوقة، رانيا منصور، أحمد عثمان. سيناريو وحوار نور عبدالمجيد. إخراج الحكاية الأولى لأحمد مدحت، والثانية لتامر عزت.
العمل مقدم في 60 حلقة في موسمين منفصلين، أو «حكايتين» كما يرد في تتر بداية الحلقات. وهو في الواقع يسرد حكاية واحدة، لكن من وجهتي نظر مختلفتين، وهي حكاية علاقة حب تجمع رؤوف (أحمد فهمي) بشهيرة (ياسمين رئيس)، منذ البدايات الأولى، ثم الاندلاع والتأجج، وأخيراً النهاية والتحطم. ويقدّم تطورات تلك العلاقة من زاويتين، واحدة تحكيها شهيرة، والأخرى تخص رؤوف.
لكل حكاية أكثر من وجه، وبما أن «التاريخ يكتبه المنتصر»، فإن كل راوٍ لحكاية ما يقدمها من وجهة نظره ومن زاوية رؤيته. وهذه هي الفكرة الرئيسة والكبرى التي سعى فريق العمل الى تقديمها: كيف تبدو الأمور من وجهة نظر المظلوم؟ وإذا استمعنا إلى الطرف الآخر، هل سيبقى المظلوم مظلوماً أم يتحول إلى ظالم؟ وكيف تنشأ الانحيازات في الحكاية؟ هل المسألة تنطوي على مقدار من الخبث والتحايل أم إنها طبيعة إنسانية؟
لكل الأسئلة التي يطرحها العمل روايتان، ولذلك يضج «أنا شهيرة… أنا الخائن» بالثنائيات، بدءاً بشهيرة ورؤوف، مروراً بثنائية طاهر وهدان (علاء قوقة) وأمل (سمر جابر)، وطارق (أحمد الشامي) ونادية (أميرة شريف)، زياد (محمد علاء) وعزة (أسماء أبو اليزيد).
نجح فريق عمل المسلسل في تقديم أكثر من وجه للحكاية، لا سيّما على المستوى الدرامي وسير الأحداث، لكن في المقابل وقع مسلسل «أنا شهيرة… أنا الخائن» في فخ التكرار على مستوى اللغة التلفزيونية ولغة الكاميرا، فالمواقف التي استعيدت عند عرض الحكاية للمرة الثانية ومن وجهة نظر مخالفة، تعرض بزوايا التصوير ذاتها، وكأن ثمة انفصالاً بين التطورات الدرامية ومستوى اللغة البصرية. وهو الأمر الذي يجعل المشاهد لا يرى فارقاً كبيراً بين الحكايتين أو الجزءين على رغم وجود وجهتي نظر للحكاية، ووجود مخرج مختلف على رأس كل عمل.
وشخصية شهيرة، ابنة الطبقة المتوسطة المصرية بصورتها القديمة، والصيدلانية الواعدة والمتفوقة، تبدو كفتاة بلا أخطاء أو عيوب، ولذلك كان من الطبيعي وفقاً لمنطق «الطيور على أشكالها تقع» أن تكون زوجة مناسبة لشخصية مثل رؤوف، وهو بدوره شخص بلا أخطاء، شهم ونقي ووفي وخدوم. لا مشكلة في ذلك حتى الآن، لكن أن يتحول الأمر إلى ما يشبه «نقابة الأنقياء النورانيين»، فيلتقي هذا الثنائي ببهاء (أحمد عثمان)، ذي الساق الواحدة، والذي ينقذه رؤوف ثم يتخذه صديقاً، وهو بدوره واحد من النورانيين الأوفياء عديمي الأخطاء، وهؤلاء الثلاثة يتعرفون الى طاهر وهدان (علاء قوقة) رسول الحق في الصحافة المصرية، وهو بدوره يقع في حب حُسْن (رانيا منصور). وكل هؤلاء يلتقون نور (مها أبوعوف) التي بدورها تبدو كملاك ناصح وحكيم ليتحول الأمر في النهاية إلى ما يشبه المبارزة بين فريق الطيبين بقيادة شهيرة ورؤوف وزهرة وبهاء ضد فريق الأشرار بقيادة طارق وأمل ومرتضى وعلي مختار، الأمر الذي كسا الفكرة الجيدة للعمل، ومنعطفاته الدرامية، بشيء من السذاجة والسطحية.
ثم جاء إصرار مؤلفة الروايتين وكاتبة سيناريو المسلسل الأديبة والسيناريست السعودية نور عبدالمجيد، على إقحام شخصيتها الحقيقية في مسار الدراما، ليطرح علامة استفهام كبرى حول الجدوى من ذلك وهل كان هذا الحضور خاضعاً لمنطق الضرورة الفنية أم لـ «إيغو» المؤلفة التي لم تكتفِ بحضورها كصحافية تكيل النصح للطرفين، بل شهد العمل في بعض مشاهده ترويجاً لمجموعة أخرى من مؤلفات الكاتبة.
ويجدر القول إن وجود الفنانة الشابة ياسمين رئيس في أي عمل صار بمثابة ضمانة أولية لنجاحه، فالممثلة الشابة لا تتألق على مستوى الأداء فحسب، بل تبرهن أيضاً بتعاقب أعمالها عن وعي كامل باختيار السيناريو الذي تشارك في تقديمه. أما أحمد فهمي فحقق تطوراً كبيراً على مستوى الأداء، وقد يكون مسلسل «أنا شهيرة… أنا الخائن» بدايته الحقيقية كممثل محترف، وليس مجرد وجه مألوف وقريب للكاميرا يملك صفات فنية جيدة غير التمثيل. ففهمي، وللمرة الأولى ربما، عثر على نبرته الأدائية الأقرب إلى شخصيته الحقيقية.
ومن عناصر تميز المسلسل أيضاً حضور الممثلين المخضرمين بكل هذا الوهج، خالد زكي في دور توفيق عبدالجواد، الرجل الصارم بطريقة عسكرية والمصاب بعقدة من النساء، وأحمد فؤاد سليم في دور مدحت عبدالرحمن والد شهيرة.
يضاف إلى نقاط التميز في العمل الإجادة التي أثبتتها بعض الوجوه الجديدة مثل أحمد عثمان، وولاء الشريف، ومحمد علاء جاميكا وأسماء أبو اليزيد.
صحيفة الحياة