«ثورة ندى» … على الثورة المصرية الناقصة!
لا تختلف، الشابة المصرية ندى أحمد عن بقية الشباب المصري في حماستها وتأييدها لـ «الربيع المصري»، إلا بفارق خصوصية تجربتها وسط الحراك العام، والتي حاول الوثائقي التلفزيوني السويدي «ثورة ندى» البناء عليها لرسم المشهد العام لمصر وثورتها منذ عام 2011 حتى وقت قريب.
انطلق الفيلم من الخاص إلى العام معتمداً في تفاصيله على توثيق يوميات ندى طيلة تلك السنوات وهي تحاول من دون كلل تقديم مسرح للأطفال يؤسس لوعي مستقبلي ويحقق الأحلام الكبيرة لثورتها، لكنه إلى جانب ذلك يقدم ضمناً وعبر تجربتها القصيرة والمندفعة بقوة الأفكار النبيلة، المشهد العام لمصر وطبيعة الصراع الاجتماعي والتناقض الصارخ بين التوجه الحداثوي الذي نادى به تيار واسع من المتظاهرين وبين التيارات المحافظة المترسخة في بلاد نشدت التغيير بصدق، رغم عدم توفر مقوماته الضرورية!
التناقض أول ما يبدأ بندى نفسها، فهي وعلى قدر الحرية الشخصية التي تتمتع بها في العاصمة، تخضع لضغوطات مستمرة من عائلتها المحافظة خارج القاهرة ومطالباتها المستمرة لها بالزواج والعودة إلى منزلها. وعلى مستوى آخر تشعر بالتناقض الحاد بين طموحاتها وشعارات الوسط الذي كانت تلازمه منذ اندلاع الثوة عام 2011 وبين الواقع. «كنت أقيم في مكان قريب من المركز عند اندلاع شرارة الثورة ولكن وبعد أيام عليها ذهبت إلى ساحة التحرير ولم أغادرها حتى سقوط مبارك. أردنا تغيير البلد نحو الأفضل وبخاصة بالنسبة إلينا نحن النساء، لكننا لم نكن نتصور أن الأمر بهذه الصعوبة». يرافق الوثائقي ندى طيلة سنوات الثورة ويتوقف عند أهم المنعطفات في حياتها وفي شكل خاص علاقتها بالمسرح والفن. فالشابة التي درست مسرح الطفل في الإسكندرية وشاركت مع فرق موسيقية شبابية خلال الثورة وجدت نفسها ولفترات طويلة من دون عمل، ومشاريعها المسرحية الطموحة لم تدعمها المراكز والمؤسسات الرسمية. لهذا كانت تعتمد على نفسها وتدفع من جيبها على أعمال قدمتها في الأحياء الفقيرة والشوارع، ما أثر على وضعها وأجبرها على التنقل من سكن إلى آخر والوصول إلى حالة إفلاس دائمة كانت تبددها بالصداقات والحديث الطموح عن الثورة وخيباتها.
كل تفاصيل ويوميات ندى كانت تصاحبها متغيرات وحراك سياسي سريع يوثقه الشريط عن بعد، لأنه لم يكن معنياً به قدر عنايته بـ «ثورة ندى» وحال بنات جلدتها، لدرجة يبدو فيها ميالاً أكثر إلى إبراز الجوانب الأنثوية في الثورة المصرية على بقية الجوانب والإمساك بالتناقضات الحادة عند بروز أسئلة حرية المرأة على السطح، وهذا ما سيتضح من خلال تناوله لعلاقة ندى بصديقها الذي تأملت الزواج منه، لكنه تركها في النهاية واعتبر تشبثها بحريتها وبحثها الدائم عن ثورتها الفنية سلوكاً منافياً للأخلاق وابتعاداً عن مواصفات المرأة التي يريدها.
يكشف الوثائقي من خلال والدة الشاب روحاً تضامنية نسوية تظهر في تفاصيل العلاقات اليومية، وعلى مستوى الشارع ستتجلى مظاهر استخفاف واحتقار لها تتمثل في حالات التحرش وعمليات الاغتصاب التي كانت تحدث أثناء التظاهرات والتي دفعت كثيرات من النساء للانكفاء والشعور بالإحباط من الثورة والخارجين للتضامن معها. يعطي الوثائقي مساحة معقولة لعلاقة ندى بأمها وأخواتها ويُظهر من خلال الحوارات التي تجري بينهن عمق الإحساس بالعجز من مواجهة الأفكار المحافظة وقوة التيارات الدينية في المحافظات البعيدة عن القاهرة والتي لا تريد للثورة النجاح بقدر استثمارها لمصلحتها.
وعلى رغم كل ذلك تستمر الشابة المصرية في ثورتها، فتوسع من دائرة نشاطها وبحثها عن منافذ جديدة لتقدم من خلالها مسرحياتها المكرسة لتوعية الأطفال بالمفاهيم الإنسانية والقيم ذات الصلة غير المباشرة بالسياسة، فتقدم مسرحية «الضفادع» التي خاطبت عقلية الأطفال ونشدت توسع مداركهم حول مفاهيم الحرية والعدالة على رغم حالة الإحباط العامة واليأس من الثورة والثورات!
صحيفة الحياة اللندنية