«جائزة كتارا للرواية العربية»… تنطلق بلا مفاجآت
بلا مفاجآت كبيرة انطلقت مساء الأربعاء الماضي الدورة الأولى من جائزة كتارا للرواية العربية، التي أنشأتها المؤسسة العامة للحي الثقافي في قطر «كتارا»، وبالتالي لا يظهر أن الجائزة التي تعد الأكبر في حقلها، من ناحية القيمة المالية وشمولية الاهتمام بالرواية، ستنجو من الانتقادات خصوصاً وقد سبقتها حملة إعلامية تروج لها بصفتها الأضخم وأنها محطة مهمة في تاريخ الرواية العربية. فالفائزون بجائزة الرواية المنشورة، مثلاً، غالبيتهم من الأسماء المكرسة أو الذاهبة للتكريس، ولا يعد فوزهم مفاجأة بقدر ما يتيح لهم، وفقاً لما تردد على هامش الحفلة، الانتقام من الجائزة التي أهملت رواياتهم أي «البوكر» العربية، ولم تقرأها كحالة حرة وفي سياق الجائزة نفسها، إنما يتم تأملها في شكل يربطها باسم كاتبها وما يمارسه من سطوة أحياناً على لجنة التحكيم، كما عبّر واسيني الأعرج في المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجائزة صباح أمس، من دون أن يسمي جائزة بعينها، معتبراً أن ذلك ظلم يقع على الرواية في الدرجة الأولى. إضافة إلى التنظيم في صورة عامة الذي شابه قدر من الهنّات، الأمر الذي سيجعل الجائزة موضوعاً للسجال فترة طويلة. ولعله من المهم لهذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها المالية الإجمالية 750 ألف دولار، أن يرافق انطلاقتها الأولى ضجيج من شأنه أن يلفت الانتباه أكثر إليها، ويوسّع من دوائر حضورها ويعمل على انتشارها في أوساط المهتمين.
من جهة، ربما اجتازت هذه الجائزة، التي تمنح لعشر روايات: خمس منشورة وخمس أخرى مخطوطة، واحداً من التحديات التي يمكن أن تواجهه أي جائزة في دورتها الأولى، وهو تحدي لجنة التحكيم، إذ بدت «مثالية» إلى حد ما، لناحية الانسجام بين أعضائها وتمكنهم في النقد الروائي، وأيضاً لما عرف عن بعضهم من اطلاع وانشغال بمتابعة للرواية ونقدها وأحياناً كتابتها، مثل الناقدة زهور كرام التي تجمع بين نقد الرواية وتأليفها. وفي ما يبدو أن «كتارا للرواية»، التي وزعت جوائزها في حفلة كبيرة حضرتها شخصيات رسمية وديبلوماسية، وهي تدرس إطلاق جائزتها وتبلور شكلها النهائي، وضعت في اعتبارها ما يحدث عادة عقب إعلان الفائزين في الجوائز المماثلة، ومنه الجدل الذي يتركز معظمه على لجنة التحكيم. ومع ذلك، ربما سيجد بعضهم فرصة ليأخذ على لجنة التحكيم، التي خلت من أي مستشرق، أن معظم أعضائها نقاد أكاديميون، وأن عدداً كبيراً منهم ينخرط في التدريس في جامعة قطر تحديداً، رغم انتمائهم إلى بلدان عربية مختلفة.
كتمان وإشاعات
أيضاً يمكن القول إن الجائزة نجحت في شكل كبير، في إبقاء الكثير من تفاصيلها طيّ الكتمان، بعيداً من عيون المتلصصين أو المسترقين للسمع، حتى اللحظات الأخيرة، فلا أحد عرف قبل انطلاق مهرجان الجائزة أسماء أعضاء لجان التحكيم ولا لائحة الفائزين النهائية على رغم الإشاعات، أو قدر أن يكشف هوية الشخصيات العربية، إن وجدت أصلاً، التي تقف وراء الجائزة، استشارة أو مشاركة في الإشراف. وكان تردّد أكثر من أسم عربي، مثل الناقد فيصل دراج، في سياق من النميمة، إلا أن هذا الناقد الكبير نفى في حينه أية علاقة له بالجائزة، ثم ورد اسم الناقد عبدالله إبراهيم وأيضاً تبيّن بعده عن دوائر الجائزة، كما ذاع اسم الناقد صبري حافظ إلا أن أحداً لم يره سوى في حفلة توزيع الجائزة، وأكد أنّ لا شيء يربطه بجائزة كتارا. وهنا أيضاً يمكن للمتربصين أن يجدوا مأخذاً على الجائزة، من كونها انغلقت على نفسها إدارياً واستشارياً.
ولئن حضر عدد من المرشحين للفوز، ضمن المدعوين لحفلة الجائزة، فإنه وفي ضوء ما كان يتردد أن الجائزة لن تكرر أخطاء غيرها من الجوائز، صعب على الكثير تخمين مَن الخمسة الفائزون في كل من فرعَي الجائزة. وإذا كان بعضهم أجمع على أسماء بعينها لشهرتها واعتبرها فائزة، لكون الجائزة قد تحتاج إلى شخصية «شهيرة» من أجل تسويق نفسها، فإنه كان ضمن الحاضرين روائيون لم يعرفوا بعد أي انتشار، غير أن التأكيدات كانت جليّة في ما يخص أهمية الروايات التي شاركوا بها.
فاز عن فئة الروايات المنشورة كل من: الروائي أمير تاج السر من السودان عن رواية» 366»، والبحرينية منيرة سوار عن رواية «جارية»، والعراقية ناصرة السعدون عن «دوامة الرحيل» والمصري إبراهيم عبد المجيد عن «أداجيو»، والجزائري واسيني الأعرج، عن «مملكة الفراشة». أما عن فئة الروايات غير المنشورة ففاز كل من: الأردني جلال برجس عن رواية «أفاعي النار- حكاية العاشق علي بن محمود القصاد»، والمغربي عبدالجليل التهامي «امرأة في الظل»، والعراقية ميسلون هادي عن «العرش والجدول»، والمغربي زكرياء أبو مارية عن رواية «مزامير الرحيل والعودة»، والمصري سامح الجباس عن «حبل قديم وعقدة مشدودة». وتشمل جائزة كتارا للرواية العربية طباعة – وتسويق – الأعمال الفائزة التي لم تنشر وترجمة الروايات إلى خمس لغات هي الإنكليزية والإسبانية والفرنسية والصينية والهندية.
جائزة الدراما
ولم يكن مبلغ الجائزة للفائز الواحد، سواء في المنشور (60 ألف دولار) أو المخطوط (30 ألف دولار) مبلغاً هيناً، بل يعتبر مقداراً من المال كافياً لتحقيق أمنيات عدة، طالما تمنّاها هذا الروائي أو ذاك، لكن العيون، على رغم ذلك، بقيت مسلّطة على الجائزة الكبرى، والتي تعد قيمتها ثروة بحق (200 ألف دولار) وتكون من حظ أفضل رواية قابلة للتحويل الدرامي، والتي ستختارها لجنة خاصة، مكوّنة من نقاد متخصصين في الدراما. وقد ذهبت هذه الجائزة إلى الروائي واسيني الأعرج، رغم تأكيد أكثر من عضو في لجنة التحكيم وبعض القراء أيضاً أن الرواية لا تصلح للتحويل الدرامي، ولكن ربما هي صالحة درامياً من وجهة نظر الناقدين السينمائيين إبراهيم العريس وطارق الشناوي، اللذين تغيبا ولم يحضرا مع بقية أعضاء لجنة التحكيم الطويلة، وعددهم 19 محكّماً.
حقوق تحويل الرواية إلى عمل درامي، بدت الجائزة الفعلية التي ينتظرها كل روائي، حتى لو لم تكن روايته تنطوي على أي جو درامي، باعتبار أن السيناريست الماهر يستطيع، في هذا الشكل أو ذاك، صنع دراما من أي رواية حتى ولو خلت من عنصر الدراما. ولعل المفاجأة في جائزة كتارا، هي استحداث جائزة أخرى لواحدة من الروايات غير المنشورة، ولم يعلن عنها سوى في الحفلة وقد ذهبت إلى الكاتب المصري الشاب سامح الجباس، وحصل على مبلغ 100 ألف دولار إضافة إلى 30 ألف دولار، جائزته في حقل الروايات غير المنشورة. و أطلقت «كتارا»، لكن بدءاً من الدورة المقبلة، جائزة أخرى للدراسات النقدية التي تعنى بالرواية.
معرض الرواية
في الأيام الثلاثة دشّن المدير العام للمؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا»، معرضاً لتاريخ الرواية العربية، وآخر للروائيين القطريين، ومعرضاً لدراما الروائيين. ونظّمت ثلاث ندوات حول الرواية وشارك فيها عدد من أعضاء لجان التحكيم، مثل معجب العدواني وسعيد يقطين ومحمد لطفي اليوسفي وعبد الرحمن بوعلي ومحمد مصطفى سليم. وعرضت أفلام لعدد من الروائيين العرب. وكذلك شاهد الحضور مسرحية بعنوان «ملحمة الغدر».
إلا أن هذه الأيام الثلاثة مرّت في ما يشبه الجحيم على بعض الروائيين، قبل لحظة إعلان أسماء الفائزين، كأنما إدارة الجائزة تعمّدت ترك المرشّحين للفوز، نهباً للتوتّر والقلق وفريسة للأفكار بأنواعها. ومن اللافت في جائزة كتارا ذهابها إلى كاتبة بحرينية شابة، لم تكتب قبل روايتها «جارية» الفائزة في حقل الروايات المنشورة، سوى رواية واحدة كانت ضمن الورشة التي أشرفت عليها الروائية اللبنانية نجوى بركات في البحرين قبل أكثر من عام. وأيضاً منحها إلى كاتبة عراقية تخطّت العقد السادس من عمرها، وبدت شبه مجهولة حتى من كتاب عراقيين، إلا أن أعضاء في لجنة التحكيم أشادوا بروايتها «دوامة الرحيل» الفائزة ضمن الروايات «المنشورة»، وهناك من رأى أنها تستحق جائزة الدراما.
القطري الذي لم يفز
ولعل أهمّ ما يمكن تسجيله لهذه الجائزة الناشئة ولكن بطموحات كبيرة، أنها لم تمنح إلى كاتب قطري يعد رائداً ومعروفاً جداً في منطقة الخليج، هو أحمد عبد الملك، والذي ترشّح لفئة الروايات غير المنشورة، وكان بعضهم قد خامره الشك في أن المشرفين على الجائزة، لن يخيّبوا ظنّ مواطنهم ويعطوه جائزة، لكنهم لم يفعلوا وهذه خطوة مهمة لناحية نزاهة الجائزة أو على الأقل تأكيد التوجه إلى الأعمال التي تستحق فعلاً جائزة.
ومما أمكن ملاحظته غياب الإشارة إلى دور النشر، التي صدرت عنها الأعمال الروائية الفائزة في فئة الروايات المنشورة، على رغم أن دور النشر هي التي تقوم بترشيح الأعمال. على أن اقتصار ترشيح الأعمال على دور النشر، ربما لن يتكرّر في الدورة المقبلة، إذ سمح للمؤلفين بترشيح أنفسهم لنيل الجائزة.
لكن ما يؤخذ على الجائزة بخاصة في الحفلة، هو عدم دعوة عدد من الروائيين والنقاد البارزين، لا من العالم العربي ولا حتى من منطقة الخليج، إذ كانت الجائزة، كما علّق بعضهم، في حاجة إلى أن تنطلق وسط حضور روائي قويّ ويشمل مختلف الدول العربية، لا أن تكتفي فقط بالمرشّحين أو المشاركين في الاجتماع الدوري للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألالكسو»، الاجتماع الذي تمّ الترتيب له ليتزامن مع انطلاقة الجائزة، في سياق التعاون بين الجائزة والمنظّمة، بيد أن جلّ هؤلاء المشاركين من الموظفين والإداريين في وزارات الثقافة العربية، وليسوا روائيين أو مبدعين أو حتى مهتمّين.
صحيفة الحياة اللندنية