جاك شيراك والعراف التونسي
رحل ” جاك” دون أن أتمكّن من تقديم واجب العزاء، والقول لأرملته ” برناديت” بأن زوجها الراحل كان يشبهني في الإصرار، دون جدوى، على الإقلاع عن التدخين والبيرة وسلاطة اللسان، ونبذ السياسة الأميركية.
أوّل علاقتي مع “جاك” بدأت بتحيته وهو في طريقه ضمن موكب يزور فيه قرية العرّاف الذي قال له حين كان عمدة لمدينة باريس ” لا تزعل.. سوف تصبح رئيسا لجمهورية فرنسا يا صغيري جاك، ولعهدتين متتاليتين،.. مع بعض الدم الذي سوف يسيل.. هيا بيّض الكف الآن يا جاك، وهبني مما وهبك الله“.
لست أدري إن كان ” جاك” قد انتبه لتحيتي، آنذاك، لكني لمحت أصابعه الطويلة تقول لي ” شكرا ” وهو يمضي إلى بيت عرّاف القرية التي صارت مرفّهة بعد زيارته تلك، ووقع حادث مروري أودى بحياة خمسة من مرافقيه.
ويذكر الكاتب الفرنسي ارندو أردوان، في كتابه “لغز جاك شيراك” أن الرجل الذي سوف يصبح سيد الإيليزيه، زار مدينة توزر (جنوب غرب تونس) لأول مرة عام 1982 لملاقاة العراف الشهير وقتها ” طالب عمّار” وبشّره بأنّه سيكون رئيس فرنسا القادم. وهو عرّاف زاره مشاهير من العالم، منهم الرئيس الأسبق، جيسكار داستان، والممثلة والمغنية الفرنسية بريجيت باردو.
” إذا لم تستطع أن تكون حاكما فكن عرّافاّ” أي ” إن فاتك أن تكون تمثالا فكن نحاتا”.
جاك شيراك، الرئيس الخامس في الجمهورية الخامسة، قال لضابط إسرائيلي في زيارته التاريخية للقدس، وفي لحظة غضب، ” ابتعد عن طريقي وإلا أقلت الطائرة عائدا إلى بلادي”.. وأوصى بأن لا تحضر زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، مراسم دفنه.. هل صادفتم شخصا شديد الانفعال، والحماسة، أكثر من هذا الرجل.. من يجرؤ على هذا؟
رجل لا يتقن إلا الإتقان، ولا يصوّب إلاّ نحو الهدف، ما أعلاه.. وما أجلّ تقديره للعرب وقضيتهم العادلة.
جاك، قرر أن ينتصر فانتصر، وأوحى لي بتلك الإيماءة من يده وهو يذهب نحو بيت العرّاف ـ الذي كم تمنيت أن أكونه ـ ” تأكد إني سوف أنتصر؟”.. تحيا النبوءة التونسية التي تنتصر للخارج وتخذل نفسها أحيانا كثيرة.
أودّ أن أسأل كل عرافي العرب وتونس، وحتى المشعوذين: هل تعرفون حقا جاك؟ هل صادفتم رجلا طويل القامة واللسان، كثير البلاغة، متقشفا في البيان.. وكارها للأمريكان؟.
وفاة جاك شيراك هي طي لصفحة في تاريخ فرنسا، وحتى العالم، والإقرار بأن ” الكبير كبير، والنص نص، والصغيّر ما نعرفوش” على قول إخوتنا المصريين.