جبهة النصرة .. احتمالات البقاء تضيق

وصلت جبهة النصرة في سورية، بقيادة أبو محمد الجولاني إلى حافة التفكك، هذا ما تشير إليه كل الأحداث التي عصفت وتعصف بها في الفترة الأخيرة، ويبدو أن الغطاء الإقليمي رُفِع عنها، بعدما سُحِب الغطاء الدولي ورفضت واشنطن كل عروض تركيا وقطر الرامية لإزالة النصرة عن لائحة المنظمات الإرهابية، رغم أن واشنطن ماطلت في محاربتها، لإشغال الحكومة السورية في قتالها، واستخدامها كورقة ضغط أخرى بعد أن استنفذت الكثير من أوراق الضغط على دمشق، خاصة ورقة “الجيش الحر” الذي فرط عقده واندمجت الكثير من فصائله في التنظيمات الجهادية، وقد بدأ قبل أسابيع عد عكسي دولي، لحل موضوع النصرة باعتبارها تنظيماً قاعدياً، هذا ما يمكن أن يلاحظه، ويتأكد منه، أي مراقب لما يعد لإدلب، مركز قوتها وتجمعها الأساسي.
إذاً، لم تفلح كل مساعي جبهة النصرة والدول التي دعمتها ومولتها طوال الأعوام الماضية بتبييض صفحتها وانتشالها من مستنقع “المنظمات الارهابية”، بالرغم من المحاولات الجدية التي بُذلت إن كان من خلال تغيير اسمها أكثر من مرة، أو خلال دمجها في هيئات مختلفة مع فصائل معارضة أخرى كـ”فتح الشام” ومؤخراً “هيئة تحرير الشام”، فسعي الجبهة لتزعم هذه الهيئات وفرض نفسها اللاعب الأوحد في الميدان بعد إقصاء باقي المجموعات، كما عدم تمكنها من الخروج من عباءة تنظيم القاعدة ومشروعه، كلها عوامل حسمت مسألة تصنيفها دولياً إرهابية، واتخاذ قرار استئصالها في إطار الحرب “العالمية” على الإرهاب.
المستجدات التي شهدتها محافظة إدلب في الشمال السوري قبل شهرين، والتي انتهت بالإعلان عن سيطرة جبهة النصرة على مجمل المحافظة التي تُعتبر المعقل الأبرز للمعارضة السورية، بعد معارك أدّت إلى إقصاء حركة أحرار الشام، والتي كانت الفصيل الأبرز الذي يُقاسم النصرة على النفوذ، كلها عوامل ستسرّع لا شك عملية الانقضاض عليها، بعدما أوجدت الذرائع المناسبة لحملة عسكرية تتولاها أنقرة على غرار “درع الفرات”، أو حتى روسيا التي هددت مؤخراً بتحويل إدلب إلى “موصل جديدة”.
ووفق خبراء متخصصين بشؤون الجماعات المتطرفة، فإن النصرة كانت دائماً هدفاً مؤجلاً إلى ما بعد الانتهاء من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لأسباب عدة، أولها أن أماكن سيطرتها متداخلة مع الجيش الحر وفصائل المعارضة، بحيث أن الفصل بينها يتطلب جهوداً كبيرة، إضافة لكون معظم مقاتليها من السوريين بخلاف “داعش” مثلاً، الذي يضم بغالبيته مقاتلين أجانب، أما السبب الثاني فعدم قيام النصرة بعمليات عسكرية خارج الأراضي السورية مما يجعل خطرها أقل من خطر تنظيم الدولة الذي كان يحتلّ مناطق شاسعة من سورية، وبخاصة مناطق حيث أهم موارد النفط.
منذ بداية الحديث عن الاستعداد للإجهاز على جبهة النصرة، رجّحت كل المعطيات أن يتم توكيل مجموعات الجيش الحرّ “درع الفرات” مدعومة من تركيا بتولي هذا الملف، ولاحقاً تم إدخال إدلب ضمن مناطق خفض التوتر، بضمانة الثلاثي “روسيا- تركيا – إيران”، وفيما كانت الأحاديث تدور عن دخول تركيا إلى إدلب من أجل مراقبة منطقة خفض التوتر، أعلن الرئيس التركي عن زحف قواته مع قوات “درع الفرات” باتجاه إدلب، وقال إننا سندخل مدينة إدلب بالاتفاق مع روسيا، التي ستتواجد قواتها في محيط المدينة، وفيما توقع البعض أن دخول قوات تركية و”درع الفرات” سيعني اشتباكاً مباشراً مع النصرة، إلا أن تركيا دخلت الحدود الإدارية لإدلب بالاتفاق مع النصرة، قد انتشرت صور تظهر قيام عناصر النصرة بمرافقة مواكب القوات التركية وهي تدخل المدينة.
تنسيق دخول القوات التركية إلى إدلب مع النصرة، رأى فيه الكثيرون أنه يناقض اتفاق مناطق خفض التوتر الذي تمّ التوصل إليه في أستانة، والذي يستثني الاتفاق أو التفاوض مع التنظيمات المصنفة أممياً بالإرهابية أو لم توقع على اتفاق أستانة، والنصرة مصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية، واعتبروا أن ذلك يكشف عدم تقيّد تركيا بالتصنيف الدولي لجبهة النصرة كمنظمة إرهابية، ما يضع العملية العسكرية التركية في خانة “الانتهاك السافر للسيادة السورية”، ويجعل من القوات التركية قوات “احتلال”، وهو موقف الحكومة السورية أيضاً التي اعتبرت الخطوة التركية خارج تفاهمات أستانة.
وقال معارضون سوريون مؤخراً ، أنّ الجيش التركي يوسع انتشاره بمحافظة إدلب، ضمن اتفاق بين جبهة النصرة وقوات تركية بحيث تستلم بموجبه الأخيرة نقاطاً للنصرة بالقرب من عفرين، وتحدثوا أن الانتشار سيمتد في عمق إدلب، ويرى مراقبون أن الهدف في نهاية الأمر هو إقامة منطقة عازلة تمتد من باب الهوى إلى مدينة جرابلس غربي نهر الفرات، وجنوباً حتى مدينة الباب لتوسعة جيب تركي على الحدود الشمالية تسيطر عليه جماعات معارضة مدعومة من تركيا.
باتفاق كامل أو من دونه، وبغض النظر عن الطرف الرابح في إدلب، إن كان لجهة تركيا أو الحكومة السورية، أو لكليهما معاً، لم يعد أمام جبهة النصرة سوى أن تقبل بالأمر الواقع، ونتيجته الحتمية بحلّها وتفكيكها، بعد أن بات من المستحيل الاستمرار في حمايتها، أو القبول بوجودها من قبل جميع الأطراف، لا سيّما بعد زوال أهم أسباب وجودها، وهو قدرتها على تهديد نظام الحكم في دمشق، أما سيناريو إزالتها من الوجود، فهو مرهون بنتائج الدخول التركي في إدلب، والتفاهمات مع موسكو وطهران، ومن خلفهم الحكومة السورية.. بانتظار مايحمله القادم من الأيام.
معهد ليفانت للدراسات