جحيم السلام وجنة الحرب
“كل حالم يصل… وما من حاكم يبقى”
______________________
ـ إن هذا الموسيقي يعزف كما كان شكسبير يعزف.
ـ ولكن شكسبير لا يعرف العزف.
ـ ولا هذا أيضاً.
في الطريق إلى القاهرة تستعاد جملة خالية من المضمون يقولها الوفدان السوريان الذاهبان إلى القاهرة للقاءات تشاورية:
ـ هذه مصر… ويجب استعادة مصر لدورها.
ويقال أيضاً، حسب البقايا الثقافية لناصرية سوري الخمسينات ، إن مصر، بعد أن تخلصت من الإخوان المسلمين ، تستطيع إعادة الاعتبار لتقدمية العسكر.
ويقال كذلك… من قبل يوسف الأحمد مثلاً (سفير سوريا في الجامعة العربية) إن نبيل العربي أكل الهواء طازجاً، حين ظن بالجامعة القدرة على إنجاب الأولاد في تسعة أشهر لمجرد أن الجامعه تضم كل هؤلاء الفحول.
في المسعى لإيجاد حل سلمي للحرب في سورية…يذهب الجميع بأوراق فارغة كمسودات لمشاريع الحل. ولكن في الحقيبة الثانية تجدهم مدججون بالشروط المسبقة. وأعتقد أن هذا الوضع هو الحقيقة: لا أحد عنده حل والشروط المسبقة هي لتفادي تهمة الإخفاق في إيجاد حل.
هنا…وهنا فقط، لشكسبير علاقة. ففي هذه العقدة يجب أن يموت الجميع لإيجاد ستارة لائقة لمسرحية أدهشت العالم بفظاظة نصها، وستدهش العالم لفقر نهايتها: أحد ما يدمّر بلداً لأجل استراتيجيا السلطة/ والسلطة في كل فلسفات العصور هي “تجارة القمة” وليست ، في نهاية المطاف ،استراتيجيا من أي نوع .
إن مديح مصر الآن، عبر مديح دورها… لا يعني نضوج العنب في شهر كانون ثاني 2015 . فمصر، لم تقلب كرسي “مرسي” بنفخة هواء، وإنما انفتح عليها جحيم الارهاب …انتقاماً من ضياع فرصة الاخوان في المنطقه كلها .
ومصر ليست مشكلتها مع هيثم مناع، وأحمد الجربا، ووليد المعلم… فهي تستطيع إقناعهم بما هم به الآن مقتنعون: الجلوس والتحدث ، ودزينة من اللياقات في آداب الحوار…ولكن مصر لا تمون على “أبو بكر البغدادي” ولا على الزملاء ذوي اللحى الحمراء، والسوداء، والصلوات العشر.
مصر… لا تستطيع الحفر في عقل سعود الفيصل، ولا تستطيع الوصول إلى جلطة دماغ الملك… لجعل الإلهام، بدل الأوهام، هو ما يقود السياسة السعودية تجاه سورية ، بعد تراجع مشروع إسقاط النظام تراجعاً، مضحكاً مبكياً بصراحة… فقد دفعوا مبالغ كانت تستطيع أن تشتري بها ” نصف سلطة ” في دمشق، دون كارثة التدمير والقتل، ودون تجرع الفشل من النوع الاستراتيجي البدوي العنيد.
الذي يخشاه حتى المصريون هو تأثير السعودية وليس العكس…فقد دفعت السعودية لمصر مال الأخوّة، وثمن أكفان الإخوان السياسية.
مصر بدلت الدور الإقليمي والعربي، في خريطة جديدة لمفاعيل القوة وتعريفاتها الحديثة.. القوة العسكرية، وعدد السكان، والكيلومترات الزائدة صارت أعباء، وليس مصادر للقوة، يحسب حسابها في الصراعات الكبرى.
الأقوال عن مصر…مديحاً الآن، لدورها المنتظرفي المسألة السوريه ، منشؤها الذاكرة الاستعادية لمسلسلات القمم، وإعادة إنتاج للوهم القومي الذي يستعير من الأناشيد المدرسية أغنية أو اثنتان عن نصر لم يحدث، وأمة أنجزت تكوينها ، وعروبه اكتملت هويتها .
وفي الحديث عن مصر… يتجاهل الذاهبون إلى القاهرة الحديث عن أنفسهم. فعلى ارتفاع 30 ألف قدم في الطائرة… أنجز قادة وتجار، وعسكريون عالميون ، آلاف الخطط في الأدمغة ريثما يحين الهبوط الى الارض .
المقصود بالحديث عن أنفسهم ليس تأملاً نرجسياً، كما قد يتوهم الكهول والعجائز السوريون، قادة السلام… بل المصارحة بدل المصالحة: المصارحة مع الوقائع العنيدة، وليس المصالحة مع الذات العنيدة.
الضغط الجوي على ارتفاع الأقدام ، وانخفاض الفرص السلمية… يجعل الضمير متأرجحاً ككأس في يد المضيقة. وقد يصحوالضمير لنيل جائزة السلام في سورية.
ـ الضمير…؟
ـ نعم ولكن بتعريف حديث:
معرفة الحقيقة أدنى الدرجات .
وعدم إنكارها… نزاهة عليا .
أما العمل بها…فبطولة.