كتب

‘جرائم سويسرية’.. صناعة الفساد بعيدا عن الأعين

محمد الحمامصي

تدور أحداث رواية “جرائم سويسرية” للكاتب والمسرحي السويسري هانسيورج شنايدر حول سلسلة من جرائم القتل تقع في مدينة بازل وقد تم إجراؤها بطريقة تستعصي على التفسير: الخنق، وقطع الحناجر، وشق شحمة الأذن اليسرى، وسرقة مجوهرات مرصعة في شحمة الأذن هذه.

وعلى الرغم من أن الرواية تدرج تحت رواية الجريمة، إلا أن ما تتمتع به من تحليل نفسي وفكري للشخصيات وتركيب للأحداث وبحث في تجليات المكان وأثر الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ينأى بها عن أن تكون مجرد رواية بوليسية، فمدينة بازل ليست مجرد مدينة سويسرية مليئة بالسكان السويسريين، ولكنها مدينة تخفي دوامة مذهلة من الشخصيات الغريبة: الأتراك والصرب والبيلاروسيين، بالإضافة إلى السويسريين غير الأسوياء، كل ذلك يبحر بالقرب من الريح الإجرامية – الدعارة والمخدرات وأشياء أخرى كثيرة.

تبدأ أحداث الرواية الصادرة عن دار العربي بترجمة د.فيروز جورجي في ليلة ممطرة أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول، وبينما مفتش الشرطة “بيتر هونكلر” في طريق العودة إلى المنزل، يجد “هاردي” الرجل العجوز جالسًا في هدوء، إنه يريد أن يدخن سيجارة معه، لكن هاردي الثرثار عادةً ما يكون صامتًا، يقترب منه ليصدم حيث يجده مطعونًا في رقبته مع شق في شحمة الأذن، التقرير الطبي يؤكد أنه تعرض للخنق حتى الموت أولاً، ثم تم قطع شحمة أذنه اليسرى، وسرق قرطه الماسي الخاص به. تقرر الشرطة أن الجريمة من فعل عصابة مهربي المخدرات الألبانية وتنساق وراءها وسائل الإعلام. لكن “هونكلر” لم يقتنع بذلك الاستناج وخاصة أن الجريمة تتشابه مع جريمة مقتل قضية “باربرا أمسلر”، وهي عاهرة وجدت مقتولة طعنًا مع شق في شحمة الأذن واختفاء قرطها الماسي.

يقرر “هونكلر” تتبع حدسه ليدخل إلى عالم الحانات ونوادي التعري والنخبة السياسية والصناعية الفاسدة في بازل، ليجد نفسه على خلاف مع رؤسائه ويتعرض لخطر فقدان وظيفته عندما ينشق عن النظرية القائلة بأن عمليات القتل كانت مرتبطة بتجارة المخدرات في المدينة من قبل الأتراك والألبان. لكن بحثه يكشف أمامه سلسلة من الجرائم المشابهة، وأن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو كشفه أن العواقب المترتبة على أحداث معينة في التاريخ السويسري الحديث يفضل من هم في السلطة إبقاءها بعيدا عن أعين الناس للحيلولة دون الكشف عن تورطهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة. لقد كُتب الكثير عن الخطايا السياسية للألمان والفرنسيين في القرن العشرين، ولكن القليل نسبيًا عن الهياكل العظمية في الخزانة السويسرية، الهياكل العظمية التي تبين أنها القوة الدافعة وراء عمليات القتل في بازل: تاريخ الأقوياء مقابل الضعفاء والعجزة.

إن لمدينة بازل وضع فريد حيث تقع عند تقاطع ثلاث دول تتحدث جميعها بعض اللهجات الألمانية وكلها تديرها قوات شرطة منفصلة تبحث في نفس القضايا – يحبط المفتش “هونكلر” خططها، ويتابع تحقيقاته بعيدًا عن الأنظار. فرغم أن سويسرا ليست جزءا من الاتحاد الأوروبي، فإن حدودها مع فرنسا وألمانيا لا تشكل عائقا أمام المجرمين، فضلاً عن الملتزمين بالقانون والقائمين على إنفاذ القانون، الذين يعبرون هذه الحدود متى شاءوا. وفي هذا السياق، تأخذ الرواية، التي تبدأ بداية بطيئة ومتعثرة إلى حد ما، وتيرة خاصة للغاية وآسرة للغاية: يتعمق الغموض بينما يتجول “هونكلر” عبر المناطق الريفية في بازلند والألزاس وجنوب ألمانيا بحثًا عن أدلة.

يذكر أن هانسيورج شنايدر كاتب ومسرحي سويسري ولد عام 1938 في مدينة “أراو”، عمل في بداية حياته مدرسًا وصحفيًا ثم بدأ في كتابة المسرحيات والروايات. ذاع صيته عند صدور سلسلة روايات “المفتش هونكلر”، الإجرامية. يشترك “هونكلر مع شنايدر في العديد من الصفات فكلاهما من مواليد “أراو” ويعيشان الآن في منطقة “بازلر رينج”، كما أنهما قويا الملاحظة ودقيقا الوصف. حصد شنايدر العديد من الجوائز أبرزها “جائزة فريدريش جوسلر المرموقة”.

 

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى