كتب

جمال حويل: يوميّات معركة جنين

في سجلّ جمال حويل أنه مقاوم، وواحد من أربعة قادة خاضوا معركة جنين من 1 إلى 15 نيسان (أبريل) 2002، وأنه أسير في سجون العدو الصهيوني مرات عدة، فأسير محرّر، ثم عضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، وفي المجلس الثوري لحركة «فتح»، وحائز شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة، وشهادات عليا من «جامعة بير زيت» والجامعة الأردنية، ويعمل أستاذاً للعلوم السياسية في «الجامعة العربية الأميركية» في جنين.. هذا في سيرته الظاهرة، أما شخصية حويل النضالية والفكرية والعسكرية، فإنها تتجلى في مؤلفه «معركة جنين الكبرى 2002/ التاريخ الحي» (مؤسسة الدراسات الفلسطينية). وقد أدلى بشهادته المتعددة الأبعاد كأدواره، والناقد بكل جرأة لمعنى النصر ومعنى الهزيمة في تلك المعركة، وبالكثير من الحب المتدفق والوجدان الملتهب والقناعة بالعمل المسلح، وبالسخط على الصمت العالمي وعلى صمت الأمم المتحدة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني.

شيء من ذات المقاوم/ الكاتب جمال حويل أضاءت للقارئ، ولذوي تجربة العمل المقاوم، قدرةً على تخطي الأنا في استثارة التقييم وتجاوز إبداء الملاحظات، وتحدي النمطية في الانتماء للانتماء فقط، فكشفت عن تفاوتات، وتضخيم وأسطرة، مع التوثيق اليومي لأسطورة صمود أهل المخيم، وإبداع المقاومين «وتجلي الوحدة الوطنية في استشهاد الأبطال المقاومين الذين توحدوا حتى في قبورهم»، والوحدة الوطنية التي كانت خطاً أحمر عند البرغوثي وقادة الفصائل التي تشكلت في جنين في تلك المعركة وهم: كتائب شهداء الأقصى، سرايا المقاومة وكتائب القسام، وتخبط القيادة السياسية التي ـــ وإن تحوّل فيها أبو عمار المحاصر في مقر المقاطعة إلى الرمز/ التحدي ـــ إلا أنّ حويل يذكر أنّ «القيادة العسكرية والأمنية الفلسطينية على المستوى الفلسطيني الرسمي، لم تشارك ولم تساعد في وضع الخطة لأسباب سياسية تتعلق بخيارات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في مرحلة ما بعد أوسلو»، إضافة إلى عدم امتلاك المقاومين في المعركة سوى قاذفة «آر. بي. جي» واحدة «مع العلم بأنه تمت مصادرة العديد من هذه القذائف والقاذفات من مقار أجهزة أمنية في مختلف مدن الضفة الغربية بقيت رهينة مخازنها، إلى أن اجتاحتها وصادرتها قوات الاحتلال الإسرائيلية».

يتضمن الكتاب أربعة فصول، وفصلاً خامساً بعنوان «خلاصات معركة جنين: ملاحظات نقدية» وهو الفصل/ البوصلة لترميم الأخطاء، وتنقيب الثغرات في التخطيط والميدان وغياب الإسناد.. ولكن في الكتاب عن معركة جنين تلك، ما هو أعمق من الحفر في الوجدان الفلسطيني.

في المقدمة، التي كتبها الأسير مروان البرغوثي، يصف العمل بأنه «نوعي بكل المعايير»، مبيّناً تعليله لذلك، وبالقول: «إنني عشت تجربة مخيم جنين عقلاً وفكراً وقلباً ووجداناً ونفساً وروحاً، وإن لم أكن حاضراً فيها جسداً، وأكاد أشعر حتى اللحظة بدفء مشاعر أهل المخيم ورائحة الدم وبسالة المقاومة ورصاص المقاتلين وقنابلهم وتحدي النساء والأطفال لجيش الاحتلال». وما لم يقله الأسير مروان البرغوثي عن مشاركته هذه بالجسد، أكده حويل بوصف البرغوثي «مهندس انتفاضة الأقصى» ورئيس أركانها، والأب الروحي لتأسيس «كتائب شهداء الأقصى». بعد عشر سنوات من الانقطاع عن الدراسة بسبب معركة جنين والأسر، شكّلت فكرة الكتاب هاجساً شخصياً مسكوناً بهمّ جماعي فلسطيني، اعتمد خلالها حويل «منهجية النار» التي يؤمن بها «نظراً وممارسة»، فتداخلت رواية ما حصل بين المقاوم والكاتب، ما أعطى لصفحات الكتاب النكهتين والبعدين: أن تكون مقاوماً، وأن تتخطى ذاتك لتروي الرواية لأنه «كان هناك تحيّز حزبي واضح وعدم موضوعية في كتابة هذه الشهادات». لكنه يميّز بين الأدبيات الصادرة في هذا الموضوع، كتاب الأسير وليد دقة بعنوان «يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002»، مع الإشارة هنا إلى صدور عدد يتجاوز أصابع اليدين عن معركة جنين تلك.

مخيم جنين الذي تأسس عام 1950 في مكانه الحالي بعدما غمرت المياه موقع المخيم السابق، بات مقلع المقاومين والاستشهاديين ومعقل الرعب للجنود الإسرائيليين. احتل المرتبة الثانية بعد نابلس في عدد الشهداء في انتفاضة عام 1987. أما عن مدينة جنين (الفصل الثاني)، فقد أورد الكتاب نبذة عن موقعها الجغرافي وأهميتها التاريخية «وقد ورد اسمها منذ 4300 عام في مخطوطات ومكتشفات مصرية وبابلية وأشورية وورد اسمها في الإنجيل والتوراة».

كما توقف عند المعارك والمقاومة في تاريخها المعاصر. إذ بدأت جنين بحركة مقاومة باكرة للاحتلال الإنكليزي وانحيازه للحركة الصهيوينة. تتضح صورة معركة جنين في الفصل الرابع (الصورة والأسطورة: يوميات المعركة). ومن خلال هذه اليوميات، يدخل الفصل الخامس إلى «خلاصات معركة جنين: ملاحظات نقدية» ومعها يتربّع جمال حويل على عرش الصراحة والجرأة الذاتية.

يؤكد على أهمية الوحدة الوطنية والتنسيق والتعاون الفصائلي لأنّها صمام البقاء والصمود، وعلى تلاحم المقاومة مع الأهالي لأنّ اكتساب تأييدهم أمر في غاية الأهمية لنجاح المقاومة واستمرارها، كما على ضرورة تطهير البيت الفلسطيني من الجواسيس والخونة والطابور الخامس وتحصين المجتمع والمقاومة الفلسطينية منهم (ونزيد برأينا تعجيل تطهير السلطة الفلسطينية الحالية من تنسيقها الأمني مع سلطات العدو باعتقالها اليومي للشرفاء من المقاومين)، إضافة إلى ملاحظات تصويبية عسكرية تتعلق بالعمل الميداني. يختتم جمال حويل كتابه بشعار: «ما دام الاحتلال قائماً، لا بد من أن يظل خيار المقاومة قائماً». ومعه نختتم بالإشارة إلى تجربة المقاومة في لبنان وما حققته من انتصارات على العدو الإسرائيلي عام 2000 ونحن على أبواب ذكراها، وفي أسطورة صمودها عام 2006، وفي أسرار قوتها.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى