جملة اعتراضية أن تـكـون مسـلـمـاً فـي بـريـطـانــيـا! (علاء الاسواني)

علاء الاسواني

 

أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أن تدرك مبكراً أنك مختلف، عندما تخرج وأنت تلميذ من الفصل في حصة الدين تطاردك نظرات الفضول والدهشة من زملائك الصغار، لتأخذ درس الدين في مكان آخر مع بضعة تلاميذ مسلمين مثلك. بعد ذلك، ستصاحب التلاميذ المسلمين وتحتمي بهم حتى لا يسخر أحد من دينك أو يسيء معاملتك. أن تكون مسلماً في بريطانيا، يعني أن كثيرين لا يحبون ديانتك ولا يعترفون بها، وبالتالي ما أن تنطق باسمك الذي يدل على دينك، حتى تصفعك غالباً ردود فعل سلبية تتراوح بين المعاملة الباردة والكراهية الصريحة… أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أنك إضافي، هامشي، زائد عن الحاجة، مشكوك في أمرك ونادراً ما ينتبه أحد الى حقوقك وكرامتك. معناه أنك ستضطر الى الدراسة والعمل في أعيادك الدينية لأن الدولة، ذراً للرماد في العيون، تعترف لك بعيد واحد فقط وتعتبره عطلة رسمية، أما بقية أعيادك الدينية فهي بالنسبة للدولة أيام عادية لا تعيرها أي اهتمام خاص.. تذكّر كم مرة ذهبت يوم العيد الى محاضرة مهمة أو اجتماع في العمل. كم مرة فسدت بهجة العيد على أولادك لأن لديهم يوم العيد امتحاناً.. أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أن تبذل كل مجهودك في الدراسة، وأنت تعلم أنك غالباً لن تحصل على الدرجة النهائية حتى لو كانت من حقك. أثناء الامتحانات الشفوية في الجامعة ما أن يقرأ الممتحن اسمك المسلم حتى يربد وجهه ويعطيك درجة أقل من زملائك، حتى لو حصلت على أعلى الدرجات فسوف تتحايل ادارة الجامعة لتمنع تعيينك معيداً لأنك مسلم. الذين يمنعونك من حقك في التعيين، غالباً متدينون يؤدون فرائض دينهم، لكنهم ببساطة يعتبرونك كافراً ولا يمكن أن تتمتع بنفس حقوقهم. أن تكون مسلماً في بريطانيا يعني أن تعد نفسك للهجرة في أي وقت، عليك أن تختار أسماء أولادك ودراستهم بحيث تلائم البلد الذي قد تضطر للهجرة إليه اذا تعرضت لاعتداء من المتطرفين. أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أنك لن تصل أبداً الى مناصب عليا في الدولة. مهما بلغت كفاءتك لن تكون أبداً رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء أو قائداً للجيش أو مديراً للمخابرات. لماذا..؟ لأنك مسلم، وبعض رجال دين الأغلبية يعتقدون أن الله قد حرّم تعيينك في المناصب العليا، كما أن الدولة في بريطانيا، بصراحة، لا تثق بك تماماً. أنت في نظر الدولة مشروع خائن قد يتصل بالأعداء في أي لحظة، لأن الأعداء لهم نفس دينك. أن تكون مسلماً في بريطانيا، معناه أن تعاني بشدة من أجل بناء مسجد تمارس فيه دينك. سوف يمنعك من بناء المساجد الدولة والمتطرفون. الدولة تضع قوانين مقيدة تجعل من بناء المساجد مهمة صعبة للغاية وتمنع تجديد أو ترميم أي مكان في المسجد (حتى لو كان دورة مياه) إلا بعد أخذ موافقات عديدة من السلطات.. أضف الى ذلك أن المتطرفين في بريطانيا يعتبرون بناء أي مسجد اعتداءً صارخاً على دينهم وكرامتهم.. ما أن تشرع في بناء المسجد حتى يهب مئات المتطرفين فيهاجمونه ويحرقونه ويعتدون عليك وعلى أهلك وأولادك وهم يلعنونكم لأنكم كفار. كل هذا سيحدث لأنك تريد بناء مكان لعبادة الله، وسوف يتركهم رجال الشرطة يفعلون ما يريدون ثم يصلون متأخرين ليكتبوا محضراً بعد فرار الجناة.. أن تكون مسلماً في بريطانيا، معناه أنك معرض في أي لحظة للتهجير من الحي الذي تسكنه.. يكفي أن يرسل إليك المتطرفون تهديداً بالقتل ويمهلونك يوماً أو يومين حتى تغادر. عندئذ سيكون عليك أن تأخذ أهلك وأولادك وتترك بيتك الى أي مكان بعيد. واذا ذهبت تستنجد برجال الشرطة سيقولون لك:
ـ ننصحك بأن تغادر بيتك لفترة لأننا بصراحة عاجزون عن حمايتك.
اذا كنت مسلماً في بريطانيا فأنت معرض في أي وقت لمذبحة، قد تدهسك مدرعات الجيش اذا تظاهرت من أجل حقوقك وقد تكون خارجاً من المسجد مع زملائك يوم العيد فيهجم عليكم المتطرفون ويقتلونكم أو قد يتشاجر تاجر مع زبون (ويكون أحدهما مسلماً) في الحي الذي تسكنه، فيتحول الأمر فوراً من نزاع تجاري الى حرب دينية. عندئذ سيهجم المتطرفون على بيوت المسلمين ويحرقونها وقد يقتلونكم، وسوف يأتي رجال الشرطة متأخرين كالعادة ويقبضون على بعض المهاجمين، ولكن مهما بلغ عدد قتلى المسلمين فإن القتلة غالباً سيأخذون أحكاماً مخففة أو تتم تبرئتهم. إذا كنت مسلماً في بريطانيا وشاء حظك العاثر أن تسكن في قرية أو منطقة عشوائية فقيرة، فيكفي أن يقف أحد الجيران تحت نافذتك ويصرخ:
ـ هذا الكافر يشتم ديننا على «الفايسبوك».
هذه الجملة ستكون إشارة الهجوم لجيرانك المتطرفين الذين سيحاصرون بيتك، ثم يعتدون عليك وعلى أسرتك وهم يصيحون بشعاراتهم الدينية. سيحدث ذلك مع أنك لم تهاجم دينهم على «الفايسبوك»، كما أن كثيرين من المعتدين عليك لا يعرفون معنى «الفايسبوك» أساساً. بعد كل مذبحة جديدة، سيخرج المسؤولون في الدولة ليغطوا دماء الضحايا الأبرياء بالكلمات الجميلة وقبلات المودة، سيقولون إن التحقيقات ستأخذ مجراها وإن المجرمين لن يفلتوا من العدالة، ثم يؤكدون أن هذا الحادث المؤسف لن يؤثر أبداً على الوحدة الوطنية، وأن المسلمين يعيشون في بريطانيا في منتهى الأمان والانسجام.. أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أن تتعود على سماع إهانات لدينك في كل مكان، في التلفزيون والشارع و«المترو»، سوف تشاهد رجال دين الأغلبية، وهم يؤكدون أن دينك، أنت المسلم، ضلال وكفر، ويحذرون أتباعهم من التعامل معك والاختلاط بأسرتك أو الترحم على موتاك، حيث أن الرحمة لا تجوز عليكم أنتم المسلمين لأن مآلكم حتماً الى جهنم وبئس المصير، بل إنهم سيمنعون أتباعهم من تهنئتك في أعيادك الدينية لأن هذه التهنئة ستكون دليلاً على اعترافهم بدينك الذي هو كفر صريح. أن تكون مسلماً في بريطانيا، معناه أن تشاهد أحد المتطرفين وهو يمزق كتابك المقدس أمام الكاميرات ويقول إنه سيدفع أحد أحفاده الى التبول عليه. عليك أن تتقبل هذه الإهانة العلنية وسوف يطلق سراح هذا المتطرف بعد محاكمة شكلية وسوف يتجمع أنصاره خارج المحكمة لينهالوا على دينك بالمزيد من السخرية والتجريح. في بريطانيا، من حق أي شخص أن يطعن في دينك لأنك مسلم، أما لو انتقدت أنت دين الأغلبية فسيقبض عليك فوراً ويلقى بك في السجن أعواماً طويلة بتهمة ازدراء الأديان. هنا ستكتشف أن ازدراء الأديان في بريطانيا يقتصر على من يطعن في دين الأغلبية، أما دين الأقلية فهو مستباح تماماً، من الممكن لأي شخص أن يطعن فيه ويسخر منه ويمزق كتابه المقدس بدون أي مشكلة.. أن تكون مسلماً في بريطانيا، يحتم عليك أن تسأل عن دين الفتاة قبل أن تقع في حبها حتى لا تنتهي قصة حبك بمأساة. لو أحببت فتاة على غير دينك، فإن آلاف المتطرفين سيعتبرون حبك اعتداءً جسيماً على شرفهم لا يغسله إلا الدم. سيهاجم المتطرفون بيتك وبيوت المسلمين في الحي ويحرقونها ويعتدون بالضرب عليك وقد يقتلونك، كل ذلك لأنك تجرأت على حب فتاة من دينهم، مع أنهم لا يعرفون فتاتك، ولا تهمهم في شيء، ولو أنهم قابلوها في الأحوال العادية في الشارع قد يتحرشون بها جنسياً. لكنك في رأيهم مسلم كافر لا يجوز لك أبداً أن تنجس فتاة من دينهم… أن تكون مسلماً في بريطانيا سيمنعك من التعبير عن معتقداتك في الأماكن العامة. ستركب «المترو» فتجد كثيراً من الركاب يقرأون من كتابهم المقدس بصوت عال جداً، لكنك لو فعلت نفس الشيء ستجد الركاب يعترضون عليك وقد يضربونك. ستجد الآخرين يقسمون بمقدساتهم الدينية بينما لو أقسمت أنت بإلهك سينزعج مستمعوك ولذلك سوف تمتنع عن القسم وتكتفي بكلمة «صدقني»… سوف تجد الآخرين يضعون شعاراتهم الدينية في كل مكان، على السيارات والشرفات ومداخل البيوت وفي المصاعد، لكنك لو وضعت شعاراتك الدينية مثلهم، ستحاصرك نظرت الكراهية والاحتقار. أن تكون مسلماً في بريطانيا معناه أن ترى قطاعاً من المواطنين يطالبون يتطبيق شريعة دينهم عليك، واذا اعترضت وحاولت أن تفهمهم أن لك ديناً آخر وبالتالي من غير المعقول أن يطبقوا عليك شريعة دين لا تؤمن به… سيردون عليك قائلين:
ـ بريطانيا بلدنا وسوف نطبق شريعتنا، وإذا لم يعجبك إذهب الى أي بلد آخر.
إذا كنت مسلماً في بريطانيا عليك أن تتقبل أن تكون حرية العقيدة في اتجاه واحد فقط… إذا تحوَّل مواطن مسلم الى دين الأغلبية، فإن الدولة تهنئه وتفرح به وتذلل له العقبات جميعاً، أما إذا حدث العكس وتحوَّل مواطن الى دين الأقلية، فعليه أن يهرب الى الخارج بأقصى سرعة لأنه لو بقي في بريطانيا فقد يقتله المتطرفون طبقاً لما يعتبرونه واجباً دينياً.
أخيراً، لو كنت مسلماً في بريطانيا. أرجوك. لا تحزن من كل هذا الظلم ولا تكره بلادك ولا تتركها. تذكر كم كانت بريطانيا بلاداً جميلة ومتسامحة قبل أن تغزوها الأفكار المتطرفة المدعومة بأموال النفط. تذكر اننا في بريطانيا عشنا دائماً معاً، أكلنا وشربنا واجتزنا لحظات السعادة والأوقات الصعبة ودافعنا عن الوطن بأرواحنا ودمائنا. تذكر أنه مقابل كل متطرف هناك عشرة متسامحون نشأوا على احترام عقائد الآخرين وهؤلاء يعانون من اعتداءات المتطرفين مثلك تماماً.. لا تهاجر من بريطانيا التي تحبها. ابقَ فيها ودافع عنها. اثبت مكانك وضع يدك في يدنا حتى نحرر بلادنا المتحضرة من العصابة المتطرفة الهمجية التي تسعى الآن للاستيلاء عليها.
[[[
عزيزي القارئ حدث في المقال السابق خطأ مقصود ..
من فضلك استبدل بكلمة «بريطانيا» كلمة «مصر» واستبدل بكلمة «مسلم» كلمة «قبطي» واستبدل بكلمة «مسجد» كلمة «كنيسة».. ثم اقرأ المقال من جديد لتعرف معنى أن تكون قبطياً في مصر الآن… بعد ذلك، أتمنى أن تتصل بكل الأقباط الذين تعرفهم لتهنئهم بعيد الميلاد المجيد.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى