جملة اعتراضية| هل تحتاج إلى السينما؟ (علاء الاسواني)

 

علاء الاسواني

هل تذكر أول مرة ذهبت الى السينما في حياتك؟ هل تذكر ذلك الإحساس المرح المختلط بالرهبة وأنت تناول التذكرة الى عامل السينما، فيقودك بكشافه في الظلام ثم يشير الى مقعدك فتجلس وشيئاً فشيئاً تخرج من العالم الذي جئت منه لتدخل في عالم سحري يحدث أمامك على الشاشة؟ هل أثرت في حياتك مشاهد سينمائية فظللت تتذكرها وتستعيدها في خيالك؟ اذا كنت من الجيل المخضرم فلا شك أنك تعلقت بفريد شوقي وأحمد رمزي ونادية لطفي وهند رستم وهدى سلطان ولا شك أن سعاد حسني ظلت نموذجاً للبنت المصرية اللطيفة التي تشبه زميلتك في الجامعة أو جارتك التي أحببتها. لا شك أنك أحببت، مثل المصريين جميعاً، أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ومحمد منير وعلي الحجار وغيرهم.
السؤال هنا ماذا يحدث لو عاش الإنسان محروماً من الفن؟ ان الفرق الأساسي بين الانسان البدائي والانسان المتحضر يتمثل في قدرة الأخير على الخروج من أسر اللذة الحسية. البدائي لا يستطيع أن يدرك كل ما هو خارج حواسه، السعادة بالنسبة للبدائي هي اللذة، لا شيء يمتع البدائي إلا اذا تلذذ بأكله أو شربه أو حقق له لذة الجنس، أما الانسان المتحضر فبمقدوره أن يعرف السعادة بعيداً عن اللذة الحسية، المتحضر هو الذي يستمتع بالموسيقى والفن والأدب. إن إبداعنا وتذوقنا للفن هو ما يجعل منا متحضرين. هنا لا بد لنا أن نفخر بكوننا مصريين. مصر دولة من العالم الثالث عانت عقوداً طويلة من الاحتلال والاستبداد، ولكن في الثقافة مصر دولة كبرى. يكفي أن نعرف ان السينما دخلت الى مصر في العام 1896 بعد عام واحد من اختراعها في فرنسا بواسطة الأخوين لوميير.
المصريون عرفوا السينما قبل أن يعرفها الكثير من الشعوب الغربية. مصر هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي تمتلك صناعة حقيقية للسينما منذ بداية القرن الماضي. المبدعون المصريون في الأدب والفن هم ثروة مصر الحقيقية التي لا تقدّر بمال. بالرغم من تدهور أحوال مصر الى الحضيض بسبب الاستبداد إلا أن الفن المصري لا يزال في المقدمة ولا يمكن لفنان عربي أن يحظى بالنجاح الكبير إلا لو جاء الى القاهرة. لا توجد دولة عربية غير مصر لديها كل هذا العدد من المبدعين الكبار. هذه الثروة الفنية المصرية العظيمة يتهددها الخطر هذه الأيام. لقد وصل «الإخوان المسلمون» الى الحكم عن طريق الانتخابات وسرعان ما أسفروا عن وجههم الاستبدادي الفاشي، أولاً بالإعلان الدستوري الذي يضع إرادة الرئيس فوق القانون، ثم استأنفوا مخططهم للسيطرة على الدولة، فوضعوا نائباً عاماًَ غير شرعي موالياً لهم، وهم يسعون لإقرار قانون السلطة القضائية عبر مجلس الشورى الباطل من أجل التخلص من آلاف القضاة وإبدالهم بقضاة موالين «للإخوان».
آخر حلقة في مسلسل تمكين «الإخوان» من مصر تحدث في الثقافة. لقد ظهر فجأة شخص يدعى علاء عبد العزيز، عيّنه «الإخوان» وزيراً للثقافة، ومنذ اليوم الأول ارتكب الوزير مذبحة ادارية. أقال المسؤولين جميعاً ثم بدا كأنه يستمتع بإهانة الفنانين المشهورين لسبب في نفسه، فقد أقال عازفة الفلوت العالمية ايناس عبد الدايم من ادارة الأوبرا بطريقة مهينة، وعندما اعترض على تصرفاته مبدعون كبار مثل الأستاذين بهاء طاهر وصنع الله ابراهيم صرح الوزير علاء بأن هؤلاء ليسوا مثقفين أساساً. الوزير يعلن أنه جاء للقضاء على الفساد في وزارة الثقافة، بالطبع وزارة الثقافة تعاني من فساد شامل وإهدار للمال العام لحساب مجموعات من المستفيدين، ولكن هل ما يفعله علاء عبد العزيز يساعد على محاربة الفساد؟
هل يمكن في أية دولة في العالم أن يأتي وزير الى منصبه فيطيح بقيادات وزارته جميعاً ويشوه سمعتهم باتهامات يرددها في الاعلام بدون اتخاذ إجراءات قانونية؟ هل يدرك علاء عبد العزيز أن وزارات الثقافة في العالم تخسر متعمدة حتى تنشر الثقافة بأسعار زهيدة؟ الواضح أن الوزير علاء يتذرع بمحاربة الفساد لكي يستبعد المبدعين والمثقفين اليساريين الذين يتبنون أفكاراً مضادة «للإخوان». إن ما يفعله الوزير علاء تجريف للثقافة المصرية تمهيداً لفرض أنماط ثقافية جديدة يرى «الإخوان المسلمون» أنها أقرب للإسلام، هنا لا يحتاج الأمر الى تخمين فكلما تحدث «الإخوان» عن الفن أظهروا جهلهم بمعناه واحتقارهم له. «الإخوان» لا يؤمنون بالفن باعتباره انعكاساً متخيلا للواقع لا بد أن يشمل النماذج المنحرفة والطيبة، لا يفهمون أن دور الفن ليس إصدار الأحكام الأخلاقية على الآخرين وإنما التعاطف معهم وتفهم نوازعهم مهما ارتكبوا من الأخطاء.
«الإخوان» مثل كل القوى الفاشية يريدون للفن أن يكون وسيلة دعائية مباشرة لأفكارهم. «الإخوان» لا يريدون للفن أن يقدم اللصوص والعاهرات والمهمشين والمنحرفين، وإنما يريدون للفن أن يقدم نموذجاً للحياة القويمة الطاهرة كما يفهمونها. لا يفهمون معنى الفن ولا يتذوقونه لأنهم متطرفون، والتطرف والفن لا يجتمعان. في شهر مارس 2012 نشرت جريدة «الأهرام» مشروع قانون مقدم من الشيخ السيد عسكر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب السابق. المشروع يضع ما أسماه بالضوابط للاعمال السينمائية ويقضي بإغلاق أي قنــاة فضائــية تعــرض مشهــداً سينــمائياً إباحــياً، مـع حبس صاحب القناة لمدة خمس سنوات. لا أحد يدافع هنا عن الإباحية طبعاً، لكننا نسأل الشيخ عسكر ما هو المشهد الإباحي في رأي فضيلتك؟ هل إذا ارتدت الممثلة فستان سهرة يظهر ذراعيها وظهرها يكون المشهد إباحياً؟ علينا اذن أن نتخلص من آلاف الأفلام المصرية التي أنتجت منذ الثلاثينيات وحتى اليوم. مشروع الشيخ عسكر يمنع أيضاً إظهار المعاصي على الشاشة. اذا كان بطل الرواية مدمنا للخمر لا يجوز أن يظهر وهو يشرب الخمر. عندئذ ستكون أفضل طريقة لتفادي عقوبات الشيخ عسكر أن نختار كل أبطال الفيلم من الصالحين الأتقياء فيتحول الفيلم الى موعظة مدرسية سخيفة.
إن الفنان لا بد أن يتمتع بحرية كاملة حتى يبدع، وأي قيود توضع على خياله تفسد الفن تماماً. هنا سيسألنا أحد «الإخوان» وماذا لو قدم أحد الفنانين ما يجافي الذوق العام؟ الإجابة أنه في الدول المتحضرة يجيء عقاب الفنان المسيء من الجمهور وليس من السلطة. اذا أساء الفنان فإن الناس ينصرفون عن عمله عقاباً له. سيقول أحد «الإخوان» وماذا عن الأطفال الذين لا نريد لهم أن يشاهدوا افلاماً معينة؟ الإجابة إن الرقابة الوحيدة المعترف بها في الدول الديموقراطية هي رقابة السن ولا توجد مشكلة في أن تكون بعض الافلام للكبار فقط ولكن بدون التدخل في تفاصيل العمل الفني كما يريد الشيخ عسكر. ان القيود تنسف الفن من أساسه. الدراما معناها الصراع ولا يمكن أن يكون الصراع حقيقياً اذا لم يتم تقديم الخير والشر بطريقة طبيعية ومقنعة. «الإخوان» يتصورون أن إظهار الشر في الفن يتناقض مع الفضيلة التي يدعو إليها الدين. هذا فهم ساذج لأن الفن يشترك مع الدين في الدفاع عن القيم الانسانية، لكن وسائلهما في ذلك مختلفة. بينما يتبنى الدين الموعظة المباشرة فإن قوة الفن تنبع من قدرته على الإقناع بالتجسيد. وهذا التجسيد يتحقق بالايهام. يجب أن نعطي الفنان حريته الكاملة في أن يقدم الحياة الانسانية كما يشاء وفي النهاية سوف نكتشف أن التأثير الايجابي للفن على الاخلاق لا يقل عن تأثير الدين.
الفن والدين يتفقان في المقاصد النبيلة لكن وسائلهما في تحقيقها مختلفة. ان الفن المصري الذي طالما أحببناه وشكل وجداننا على مدى أجيال يتعرض الى هجمة همجية من جماعة «الإخوان» الفاشية التي تريد القضاء على الثقافة المصرية العظيمة وإبدالها بمنهج التربية الذي فرضه حسن البنا على أتباعه. بالأمس ذهبت للتضامن مع الفنانين والمثقفين المعتصمين في مكتب وزير الثقافة فوجدتهم لا يدافعون عن أشخاص ولا يريدون مناصب وإنما يمارسون واجبهم في الدفاع عن الثقافة المصرية ضد فاشية «الإخوان». المعتصمون مثل ملايين المصريين يدعمون حملة تمرد من أجل سحب الثقة من مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ان ما يفعله علاء عبد العزيز بالثقافة مجرد جانب من خطة «الإخوان» للسيطرة الكاملة على الدولة لنسف أية إمكانية لتداول السلطة. مصر الآن تحت احتلال جماعة فاشية لن يهدأ لها بال إلا اذا طبقت مخطط التمكين لتجعل من مصر إمارة طالبانية في دولتهم المتوهمة. لا حوار ولا حلول وسطاً ولا ضمانات مع «الإخوان» فقد ثبت بالتجربة أنهم مضللون كذابون لا يوفون بعهودهم أبداً. اذا كنت تحب السينما والمسرح والأدب والموسيقى، اذا كنت لا تحب لمصر أن تكون مثل أفغانستان أو السودان.. سارع بتوقيع استمارة تمرد وانزل معنا يوم 30 يونيو لكي ننقذ بلادنا من حكم جماعة فاشية تتاجر بالدين وترتكب باسمه كل ما يخالف تعاليمه.
الديموقراطية هي الحل.

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى