جملة اعتراضية| هل يحب الفريق السيسي الشعر؟ (علاء الاسواني)

 

 
علاء الاسواني

«أحس بحبك كحقل صغير يكبر في.. وتنبت أوراقه حول حزني تظلله من هجير الجراح
وان اصبعي اشتبكت في أصابع كفك.. تنمو الجذور وتمسك حقلي لئلا تبعثره دمدمات السيول وعصف الرياح
أحس بحبك يكبر في داخلي كالجنين.. ويخبط روحي بكفيه لهوا ويملأني بالصياح،
ولكنني خائف واثق أن هذا الزمان عدو لقلبي.. سأجلس ذات مساء أفكر فيك وبين ذراعي طفلي غفا واستراح.
أفكر كيف يجيء ربيع ولا يتجاور قلبي وقلبك تفاحتين.. بغصن سعيد تجلى على الأرض عطرا وفاح.
أرى في البعيد شتاء أنا وحفيدي نسير معا، فيفاجئنا مطر، فأحدثه دونما سبب عنك.. أسمع صوتك من حولنا رفة من جناح.
أرى كل شيء يمر أمامي، أشاهد حلما جرى واختفى كالسناجب بين غصوني.. وأَحْكِي له يا بني، لقد كان خطوا بديعا مشى بشوارع قلبي سريعا وراح.
أحس بحبك يرمي بحلم بعيدا، فأركض أحضره ثم أركض أحضره بين سؤالين.. كيف سيظلم قبر عليك بدوني؟ وكيف سأحيا ـ وحيدا ـ صباحا جميلا كهذا الصباح؟»
هذه القصيدة لو نسبتها الى أحد كبار الشعراء العرب لما شك أحد في نسبتها اليه، فهي بالغة العذوبة، حافلة بالصور الجميلة، تنم عن موهبة أصيلة وتمكن من أدوات الشعر، لكن الحقيقة أن صاحب القصيدة شاب سكندري في العشرينيات من عمره اسمه عمر حاذق. تعرفت اليه من سنوات وأعجبت بموهبته وقدمته في ندوتي الأدبية وانعقدت بيننا أواصر الصداقة، فعرفته شابا مثقفا رقيقا يتمتع بحس أخلاقي رفيع وشجاعة في الدفاع عن الحق طالما جرت عليه المشاكل. بالرغم من الفساد الذي يعشش في مؤسسات الثقافة الرسمية، الا أن عمر حاذق استطاع بموهبته وحدها أن ينال التقدير المستحق، فتوالت شهادات كبار النقاد تشيد بموهبته حتى أصبح من أبرز الأصوات بين شعراء جيله. وبالرغم من صعوبة ترجمة الشعر الا أن عمر حاذق استطاع بقصائده الجميلة أن ينال تقديرا عالميا، ففاز بالجائزة الأولى للشعر في مهرجان الحب والعدل والسلام في ايطاليا، ثم أصدر ديوانا مشتركا بعنوان «فضاءات الحرية» مع الشاعر البرتغالي تياجو باتريشيو والشاعر الايطالي نيكي داتوما.
لو كان عمر حاذق شاعرا فرنسيا أو انكليزيا لاهتمت به بلاده ولتكاتفت أجهزة الدولة جميعا لكى ترعى موهبته، إذ إن الفنان في نظر الدول المحترمة ثروة قومية يتم الحفاظ عليها بكل السبل. لكن عمر حاذق مصري وفي مصر تتركز الأضواء على الطبالين والزمارين، وتوزع المناصب على الخدم و«الشماشرجية»، فلا يتبقى في النهاية مكان لأصحاب الموهبة والكفاءة.
اشترك عمر حاذق في الثورة المصرية ووقف في «يناير» 2011 في مواجهة رصاص الشرطة وحمل على كتفه الشهداء و المصابين، ثم استأنف نضاله ضد الفاشية الدينية فاشترك في «30 يونيو» التي أزاحت «الاخوان» عن الحكم. كما خاض حاذق معركة عنيفة ضد الفساد الاداري في مكتبة الاسكندرية حيث يعمل موظفا، فتم التنكيل به وطرده من عمله، ثم عاد الى وظيفته تحت ضغط من زملائه على ادارة المكتبة، وقام اسماعيل سراج الدين (مدير المكتبة وأحد خلصاء سوزان مبارك) باحالة عمر حاذق الى المحاكمة بتهمة القذف والسب في حقه، لكن القضاء النزيه قضى ببراءته.
ما الذي يدفع شاعرا موهوبا الى خوض هذه المعارك ولماذا لا يتجاهل الظلم والفساد حوله ويعكف على نظم قصائده ليستمر في احراز النجاح وحصد الجوائز؟
الاجابة ان الفن في جوهره دفاع عن العدل والحرية فلا يمكن للفنان أن يدافع عن القيم الانسانية النبيلة في أعماله الفنية ثم يسكت، عندما تنتهك هذه القيم أمام عينيه. وقد عرف تاريخ الفن مئات المبدعين الذين ناضلوا من أجل العدل والحرية، ودفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم.
اليوم يدفع عمر حاذق ثمنا لموقف نبيل اتخذه. في يوم «2 ديسمبر» الماضي عقدت في الاسكندرية جلسة لمحاكمة قتلة خالد سعيد، شهيد اجرام نظام مبارك وأيقونة الثورة ووقف عدد من شباب الثورة، أمام المحكمة يحملون لافتات تطالب بالقصاص من قتلة خالد سعيد. فجأة راح ضابط يضرب أحد المتظاهرين بوحشية، فحاول زميل له أن يدافع عنه، فما كان من الضابط الا أن قبض على الاثنين، وهنا تقدم عمر حاذق من الضابط وسأله:
ـ ماذا فعل زملائي لتضربهم وتقبض عليهم؟
اعتبر الضابط هذا السؤال انتقاصا من هيبته التي لا تتحقق في اعتقاده الا باذلال المواطنين، فقبض على عمر حاذق وتمت احالته الى نيابة أمن الدولة بالتهم الآتية: «تخريب المنشآت وتحطيم سيارات الشرطة والاعتداء على الجنود والضباط واتلاف الممتلكات العامة ومقاومة السلطات والتظاهر بدون ترخيص وتكدير الأمن العام».
هذه الباقة من التهم الجاهزة ـ كما يعرف كل مصري ـ يتم تلفيقها عادة لكل من يغضب عليه ضابط الشرطة. وكل من يرى جسد عمر حاذق النحيل لا يمكن أن يصدق أنه تحول بقدرة قادر الى مارد عملاق بمقدوره أن يضرب عشرات الضباط والجنود بيد ويحطم سيارات الشرطة والمنشآت جميعا بيده الأخرى.
يبدو أن السلطة اعتبرت عمر حاذق مجرما خطيرا فتم تقديمه مع زملائه الى محاكمة عاجلة قضت بحبس كل منهم عامين وكفالة خمسين ألف جنيه… أحكام القضاء بالطبع لها كل الاحترام ولا تعليق عليها، لكن حبس الشاعر الموهوب عمر حاذق يأتي في سياق حملة منظمة ضد شباب الثورة، ويتضح الآن أن قانون التظاهر قد تم اصداره لكي تتمكن السلطة الانتقالية من قمع شباب الثورة واخراسهم، حتى يتعلموا أن عهد الاعتراض قد ولى بغير رجعة، وعليهم أن يتقبلوا كل ما تقرره السلطة، والا فان السجن في انتظارهم. حملة القمع باستعمال قانون التظاهر تتزامن مع حملة اعلامية مسعورة تقف وراءها جهات أمنية من أجل تشويه سمعة الشباب الثوري واتهامهم بالعمالة من دون دليل واحد ومن دون تحقيق واحد؛ ولا أعرف كيف يحترم نفسه من يزعم أنه اعلامي وهو يذيع في التليفزيون مكالمات شخصية أعطاها له ضابط أمن الدولة الذي يتولى تشغيله. اذا كان هناك اتهام جدي ضد أي مواطن فان النيابة العامة تعطى الاذن بتسجيل مكالماته لتقديمها كدليل ادانة امام القاضي. وفي غير هذه الحالة، فان التنصت على أسرار الناس (فضلا عن اذاعتها في التليفزيون) عمل غير اخلاقي ومجموعة جرائم يعاقب عليها القانون، لكن فلول نظام مبارك لا يهمهم قانون ولا أخلاق، وانما تحركهم شهوة الانتقام من «ثورة يناير» التي وضعت كبيرهم مبارك في السجن. وهم يخططون من أجل استعادة السلطة التي أزاحتهم الثورة عنها، ولذلك فهم يجتهدون في تشويه الثوريين وقمعهم. على أن حساباتهم خائبة وساذجة فالذي صنع الثورة ليس عمر حاذق ولا حسن مصطفى ولا علاء عبد الفتاح ولا منى سيف ولا أحمد دومة وانما ملايين المصريين الذين واجهوا مبارك في «يناير 2011» وأجبروه على التنحي ثم فرضوا محاكمته وسجنه.. لا أمل اذن في تشويه الثورة، لأن ملايين المصريين الذين صنعوها، يذكرون جيدا ما اقترفه نظام مبارك من جرائم لم يحاسب أحد عليها حتى الآن. المؤسف ان التنكيل بشباب الثورة يتم في وقت ننادي فيه بتناسي الخلافات السياسية لنقف جميعا صفا واحدا مع الجيش والشرطة ضد ارهاب «الاخوان». واجبنا جميعا أن ندعم الدولة في حربها ضد الارهاب ولكن للأسف، فان قطاعات من السلطة الحالية تمارس القمع والتشهير ضد أنبل من في مصر. ان شباب الثورة هم الذين نزلوا في «يناير» وتخلصوا من مبارك ثم نزلوا في «30 يونيو» وتخلصوا من حكم «الاخوان»، هؤلاء الشبان الذين يتعرضون للتنكيل والتشويه الآن لم ينحنوا كالخدم امام الهانم سوزان مبارك ولم يشيدوا بعبقرية جمال مبارك ولم يزينوا له وراثة حكم مصر وكأنها عزبة أبيه، كما فعل أصحاب الوجوه الكريهة المنافقة الذين عادوا للأسف ليتصدروا المشهد. كيف نقنع العالم أننا نقيم دولة ديموقراطية بينما الشاعر عمر حاذق يتم القاؤه في السجن عامين كاملين لمجرد أنه تجرأ على سؤال الضابط:
ـ لماذا تضرب زملائي وتقبض عليهم؟
أنا لا أخاطب هنا حازم الببلاوي أو حسام عيسى أو مصطفى حجازي أو زياد بهاء الدين أوسكينة فؤاد. هؤلاء جميعا أعرف اخلاصهم للثورة ونضالهم من أجل ارساء دولة القانون، لكن الواضح أن ثمة قرارات تفرض عليهم فلا يستطيعون رفضها. الأجدى أن أخاطب من عَيَّن هذه الحكومة واختار أعضاءها. الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي سيظل المسؤول الأول عن كل ما يحدث في مصر حتى يتولى السلطة رئيس منتخب وحكومة منتخبة يا سيادة الفريق هل من العدل أن يتم التنكيل بشباب الثورة الذين واجهوا الموت من أجل أن تكون مصر دولة محترمة؟ هل من المقبول الخوض في الأعراض وتشويه سمعة الناس في التليفزيون بغير محاكمة أو تحقيق؟ هل هذا جزاء من استجاب لندائك ونزل مع الملايين ليفوضوك في معركتنا ضد الارهاب؟ لقد نزلنا نحن المصريين في «30 يونيو» وتخلصنا من حكم «الاخوان» لنبني الدولة الديموقراطية التي قامت من أجلها الثورة، لكننا قطعا لم ننزل من أجل استعادة دولة مبارك القمعية.
سيادة الفريق السيسي أرجو ان تقرأ قصيدة عمر حاذق ثم تذكر أن صاحب هذه القصيدة محبوس الآن مع المجرمين والقتلة لمجرد أنه تجرأ ووجه سؤالا واحدا لضابط. في العام 1968 اندلعت الاحتجاجات الطلابية في فرنسا ضد الرئيس شارل ديغول وكان الكاتب الفرنسي الكبير جون بول سارتر يحرض الطلاب ويوزع بنفسه المنشورات ضد النظام، عندئذ اقترح وزير الداخلية الفرنسي على الرئيس ديغول أن يتم اعتقال سارتر لفترة قصيرة حتى تتم السيطرة على الاوضاع.. عندئذ رد ديغول قائلا بغضب:
ـ «يستحيل أن أعتقل كاتبا بسبب آرائه، فرنسا يستحيل أن تعتقل فولتير»
هل يحب الفريق السيسي الشعر؟ اذا كان يحب الشعر فهو بالتأكيد سينحاز الى الحرية ويدافع عنها وسيدرك بالتأكيد أن المصريين قاموا بالثورة حتى تتم معاملتهم باحترام، فلا يعتدي ضابط عليهم ولا يلفق لهم التهم ولا يقمعهم. اذا كان الفريق السيسي يحب الشعر، فلن يسمح لفلول نظام مبارك الفاسدين بالعودة للسلطة، ولن يسمح بقمع الأبرياء ولن يسمح باهدار كرامة مصري واحد، وسوف يعمل على اقامة دولة القانون التي يتمتع في ظلها المصريون بحقوقهم الانسانية.
هل يحب الفريق السيسي الشعر؟ الأيام القادمة ستكشف عن الاجابة.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى