“جنس وشريعة” لماتيو غيدير كتاب مثير عن التحرر الجنسي بعد الربيع العربي

مع نشوة التمرد الذي عاشه الشباب سنة 2011 في البلدان التي مسّها ما سُمّي بالربيع العربي، قامت ثورة جنسية على أرض الواقع كان الإناث والذكور أبطالاً لها على السواء. لكن سرعان ما تم احتواؤها من لدن الإسلاميين و”الأخوان” منهم على وجه الخصوص حينما خرجوا ظافرين في انتخابات تم تنظيمها على عجل في كل من تونس ومصر والمغرب.

تلك هي إشكالية الكتاب الذي أصدره أخيراً في باريس الباحث الفرنسي ماتيو غيدير تحت عنوان “جنس وشريعة”. الباحث من المستشرقين الفرنسيين الجدد، يتابع الحركات الإسلامية منذ نحو عقدين وقد أصدر إلى الآن 20 كتابا تدور كلها حول العالم العربي والإسلامي. من بينها تحقيق عن هؤلاء الديموقراطيين الذين خابت آمالهم بعد الثورة وكان عنوانه “مخدوعو الثورة” وقد أمضى شهورا عدة في كل من تونس ومصر وليبيا والمغرب واليمن ما بين 2011 و2012 متابعاً الأمور عن كثب. يشغل اليوم منصب أستاذ علم الإسلاميات بجامعة تولوز 2.

لئن سجّل ماتيو غيدير تحرراً جنسياً معيناً بين صفوف الشبيبة العربية، فإنه لم يتجاهل ظاهرة الاغتصاب والتحرشات المشينة ضد النساء في عز الثورة كما حدث في بعض الساحات العامة كساحة التحرير بالقاهرة. وتناول بإسهاب استغلال جسد المرأة كوسيلة صراع سياسي بين الأطراف المتنازعين ذاكرا على وجه الخصوص “امتحان العذرية” الذي مارسه الجيش المصري وقوات البوليس تحت حكم الرئيس مبارك، الذي راحت ضحيته كثيرات من المتظاهرات.

ثورة جنسية مجهضة

يلخص الباحث الحالة التونسية كاتباً: “عاش الطلاب والطالبات التونسيات ثورة جنسية حقيقية ما بين أيار وكانون الأول من سنة 2011. حركة قابلة للمقارنة من حيث الروح والطريقة مع انتفاضة “أيار 68″ في فرنسا. على رغم أنها لم تحظ إلا بتغطية إعلامية جزئية وبعدية، بمعنى بعد وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في شهر تشرين الثاني من السنة نفسها. كانت ثورة شبّانية مشغوفة بالحرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، قد تم خنقها وحصرها بين حدود المسموح به والممنوع دينيا. ولئن باتت الشهادات حول تلك العلاقات الجنسية الحرة نادرة اليوم، فإنها مدوّنة أحيانا في ذاكرة الانترنيت التي لا تمحى. وقد تهاوت أسطورة العذرية أثناء السداسي الأول من الانتفاضة واغتنمت الكثير من الفتيات الفرصة لتمضية ليال كاملة خارج البيت العائلي، متعللات بالمشاركة في التظاهرات والإضرابات في حين كن يمضين الليل في أحضان العشيق. لكن الاستيقاظ كان مؤلماً، بانتصار الإسلاميين في خريف 2011. وهو ما عبّر عنه أحدهم بطرافة مشيراً إلى العذرية قائلا: ينبغي في الخريف إعادة ترقيع ما تم تمزيقه في الصيف”. يتناول الكاتب موضوع الزواج العرفي الذي انتشر بشكل كبير في تونس وعلى الخصوص بين الطلاب المنتمين إلى “حركة النهضة” التونسية والظاهرة نفسها عرفتها مصر وعلى الخصوص جامعاتها، ولكن بشكل أخف من تونس. في حملتها ضد “الأخوان” ومخلّفاتهم أعلنت السلطات المصرية بعد إطاحة مرسي أن الزواج العرفي غير قانوني، وهكذا وجد الكثيرون أنفسهم مخالفين للقانون.

جنسانية إسلاموية مصطنعة

خوفا من التطورات المتسارعة التي قد تضعهم خارج اللعبة ولأهداف سياسوية بحتة، وبحثاً عن السيطرة على الشباب الذي بدأ يفلت من قبضتهم المعنوية والتنظيمية يوما بعد يوم، عمل “الأخوان” على استمالة الشباب وركوب قطار متعته في آخر لحظة. تجلى ذلك في محاولتهم الالتفاف على هذه الجنسانية الجديدة التي يعيشها الشبان والشابات من دون عقدة، بإعطائها صبغة إسلاموية، إلى الحد الذي باتوا ينظرون إلى ممارسات جنسية غير مسبوقة على أنها مطابقة للشريعة ويصدرون فتاوى أقل ما يقال عنها أنها طريفة مدهشة.

انتشرت هذه الفتاوى الجديدة المتعلقة بالجنس، وقد استفاد مطلقوها من تواطؤ السلطات الإسلامية السابقة المتمثلة في “أخوان” مصر، وإلى حد ما في تونس، باعتبار أن “النهضة” لم تستطع الانفراد بالحكم في بلد بورقيبة. وقد سهّلت الشبكة العنكبوتية هذا الانتشار الواسع لتلك الفتاوى الجنسية بين كل الفئات الاجتماعية، فأدّت إلى ممارسات وسلوكات يجد أصحابها اليوم أنفسهم تحت طائلة القانون في كل البلدان العربية. لم يجيزوا مختلف أنواع الزواج الجديدة المنتشرة المسمّاة إسلامية، كالزواج العرفي والظرفي وزواج المتعة، بل باركوها إذعانا للأمر الواقع. من طريق الفتاوى المتكاثرة بشكل كبير جداً عبر الشبكة العنكبوتية، راحوا يثيرون، تماشياً مع اتجاه الرياح، كل صغيرة وكبيرة في مسألة العلاقات الجنسية، كالمصّ، وإرضاع الكبير، ونكاح الوداع. الكتاب ينشر للمرة الأولى الفتاوى الجنسية الأكثر قراءة على الانترنت. كما يصنف المسائل الجنسية الأكثر تناولا ومناقشة على المواقع الاجتماعية انطلاقا من تحقيق ميداني وافتراضي، يشرح فيه الكاتب بالتفصيل كيف حرفت الثورة الجنسية العربية واستغلت سياسويا من طرف الإسلاميين في استعباد للأجساد والعقول بشكل مخز لم يسبق له مثيل.

هكذا سرقت المجموعات الجهادية ومن يدور في فلكها، روح الثورة الجنسية العربية، يقول الباحث، من أجل تبرير ممارسات لا علاقة لها بروح عصرنا كزواج المتعة الذي يدوم من ساعة إلى أشهر على سبيل المثال لا الحصر أو جهاد النكاح المنتشر بين صفوف الإسلاميين المقاتلين قي سوريا، الذي ابتدع ابتداعا بغية جلب النساء إلى أرض القتال من اجل رفع معنويات الجهاديين كما يدعون!

صحيفة النهار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى