جنون العظمة

“الذئب هو، في النهاية، مؤلف من قطيع خراف مهضومة”
______________________________________________

كان لجنون العظمة دور ، بالتأكيد ، في قرارات حروب صدام حسين. والشروط التي تغذي جنون العظمة وتجعله مرضاً…خمسة أشياء:

1 ـ الثروة العظمى، وهي بتعريف غير اقتصادي: وجود كميات من الأموال تتغذى من فوائدها، لتذهب إلى مصارفها، ولا تنتهي ، إلا بحريق.
2 ـ السلاح الحديث، والمتطور (دائم التجدد).
3 ـ الجيش والقوى الأمنية، تحت السيطرة.
4 ـ بيئة اجتماعية مستسلمة للحاكم الذي يشتري بالرشوة المادية والمعنوية أغلبية السكان، ويقهر البقية فيصمتون، أو يسجنون ، أو يذهبون إلى المنفى.
5 ـ وهم التناغم مع الإيقاع الأقليمي والدولي.

بهكذا عوامل اقتنع صدام حسين بضرورة الحرب مع إيران. فاستمرت الحرب ثمان سنوات، لم تحقق نصراً وأعادت العراق إلى الوراء ربع قرن … حتى الان.

وكان من المفترض مراجعة هذه الحرب وقراءتها واستخلاص دروسها، بعد انتهائها. وهذا لم يحدث، إنما الذي حدث هو أغرب ظاهرة في التاريخ البشري. استمرار جنون العظمة في انتاج الحماقات، بعد انتفاء كل عوامل العظمة وجنونها…غزو الكويت.

انظر إلى العوامل الخمسة، ودقق مفاعيلها. إنها بعد نهاية الحرب مع إيران…لا ترشح صدام لخوض الحرب مع تماسيح مستنقعات الأهوار، ولا مع طواحين الهواء.

أما تجليات جنون العظمة في المنسوب المرضي فهو: وهم القوة أو ما يسمونها “القوة المطلقة” أو “القوة المنحطّة”، وهو يأتي عادة من مستشار سيء إلى جانب الحكم، ومن قادة صف أغبياء حواليه. ومن سلاح ومال. ثم يكتشف أن كل لعبة الحرب هي “سباق تسليح” بين البلدان النفطية يساقون إليها، ليصبح الأمر “سعار تشليح”.

هكذا كان الأمر في الحرب بين أغنى بلدين في العالم: العراق وإيران. إن ثماني سنوات حرب كانت كفيلة بهدر مئات المليارات ثمناً للأسلحة. ومئات المليارات للإعمار.

… وهكذا هي الحرب.

اليوم يوقظونها من تحت الرماد القديم، بين أغنى بلدين في العالم إيران والسعودية. في لعبة سباق (تشليح) أخرى، لا أحد يتكفل بردها إذا اندلعت. ونرجو ألا تندلع.

أين هو العامل الخفي وراء الحرب “المعجلة”- الواقعه ـ اليمن؟

والحرب “المؤجلة”- المحتملة ـ إيران؟…

انه … جنون العظمة !

وهذه المرة أيضاً في الطرف العربي لا الإيراني .

كان في بغداد المستفشره بوفرة البترو- دولار في الحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت. وهو اليوم في عضلات وهم القوة للشبان الحاكمين الحالمين في المملكة العربية السعودية !

الشبان الجدد … أرادوا مملكة سعودية قائدة، في منطقة ثكلى من فرط افتقارها إلى الحكمة...في منطقة تحتاج الى حفلة تمريض كونيه ، بدلا من الحرب ذات الطبول التي تصنع الضجيج، وليس النصر.

ان جنون العظمة يستفحل ، منتقلاً من تضخم الأنا ، إلى تورم الذات ، إلى نرجسية الآلهة ، وصولا إلى الضفدع الذي ظل ينفخ نفسه ليصبح تمساح البحيرة… فانفجر.

جنون العظمة مرض مدروس في علم النفس المرضي، وهو سهل القراءة، تحت إشراف اي معلم من أي معهد متوسط.

طبعاً، بسبب نقصان فيتامينات الجنون غير العظيم البسيط لديّ، أنا…فقد تحدثت عن التكاليف ، ونسيت أن أذكر الدماء التي انهدرت عبثاً…لإدامة هذا الجنون !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى