جنيف(3): هل كنت ستذبحني لو أرغمتك داعش على ذلك ؟!

خاص:

تغيرت أشياء كثيرة في سورية ، ومن الأشياء التي تغيرت: النظرات !

لا يمكن لأحد التكهن في معناها ، فهي خليط من الانفعال والمعاناة والعتب والأمل . خليط غريب لم يكن يلحظه أحد من قبل، فالحرب أكلت الروح والجسد معا، ليس من بوابة الموت والخراب والتدهور على مدار خمس سنوات فقط، ولا من بوابة الرحيل في جهات الأرض الواسعة، وإنما من بوابة : الدهشة وعدم التصديق !!

ويحكي سجين سياسي عراقي دفع لي شيئا من أوراقه لأقرأها :

ــ في السجن ، ينام السجين أحيانا، فيشاهد حلما من نوع خاص مضمونه أنه في السجن، ويسمع من أحدهم في قلب المنام كلاما يقول : نحن لسنا في السجن . هذا منام !

ويكتب السجين العراقي على هامش هذه العبارات المكتوبة حرفيا في دفتره تعديلا بقلم الرصاص يستبدل كلمة ((كابوس)) بكلمة ((منام)) !

في هذه الحرب استعدت تلك العبارات التي قرأتها في دفتر السجين السياسي، والتي كان حكاها من قبل، إذ هل يعقل أن يبقى إنسان خمسة عشر عاما في السجن للا شيء ؟ّ! وقصة السوريين مع هذه الحرب هكذا، يشاهدون أحلاما تشبه تلك الأحلام ، وثمة من يقول : ((نحن لسنا في الحرب ، نحن في منام)) .

والجميع يعدلون عبارة ((في منام )) بعبارة ((في كابوس)) ويرسمون سهما على كلمة منام ! أي أن ما يحصل هو ((كابوس)) لا يصدق ! نعم كابوس هو الحرب !

اقتربت جنيف ((3)) . ومثل جنيف ((1)) . الجميع يستخدمون نظراتهم تلك للتعبير عن مواقفهم منها.. وهي نظرات تغيرت، نظرات لا يمكن فهم معناها، فالأسئلة كثيرة، والنظرات تذهب إلى أبعد من المعاني العادية:

هل ستتفق الحكومة مع المعارضة ؟ هل سيركب المعارضون سيارات وزراء حكوميين وهل سيجلسون مع وزراء الموالاة يواجهون مطالب الناس المتراكمة ؟ هل ستتغير البلاد من بلاد إلى بلاد ؟ هل أميركا صادقة ؟ هل الروس جادون ؟ هل السعوديون يقبلون ؟ هل القطريون يطنشون ؟ هل الأتراك يصمتون ؟ ثم أين ستذهب داعش والنصرة وجيش الإسلام ولواء اليرموك وفصيل الصحابة وكتيبة الأنصارو فيلق السؤدد ؟

من الذي سينقل آلاف الأطنان من الردم من فوق المدن والقرى بعيدا خارج سورية؟ من الذي سيعيد الكهرباء كما كانت والمدارس كما يجب أن تكون ؟ من سيعيد بندورة حوران وقمح الجزيرة وزيتون إدلب وكرز عسال الورد وتفاح رنكوس والحلاوة الحمصية وفستق مورك وجبنة حماه وعنب السويداء ؟

هل ستعود الليرة ليرة ؟ وماذا سيحل بالدولار ؟ كم يلزم من الوقت لنسيان الشهداء والقتلى ووجع الجرحى والمعاقين ؟ ثم أين ذهب المخطوفون ؟ هل ابتلعتهم الأرض ؟ هل ظلت الفتيات المغتصبات على قيد الحياة ؟ هل سيعود المهاجرون إلى سورية ؟ أم سيغادر من تبقى في سورية إلى ماتبقى من بلدان العالم ؟!

ومن غرابة الأسئلة أيضا، سؤال لم يكن يطرحه أحد من قبل يقول :

كيف سيرى أصحاب العيون المشتراة من سوق تجارة الأعضاء؟ وكيف ستنبض قلوب العشاق منهم؟ وكيف ستتجمع جثثهم يوم القيامة ، ومن سيكون من حقه امتلاك الأعضاء الأصلية؟!

وبطبيعة الحال ، لا أحد يجد جوابا !

لا أحد يجد جوابا !

لا أحد يجد جوابا !

لا أحد يجد جوابا !

نظرات السوريين إلى بعضهم البعض تغيرت .. تغيرت فعلا، وهناك من يسأل جاره في لحظة صفاء :

ــ هل كنت ستذبحني لو أرغمتك داعش على ذلك ؟

وسبب السؤال أن هناك ((مناما)) / ((كابوسا)) يراه كل سوري فحواه أن الأخ يقتل أخيه والجار يقتل جاره وتذهل كل مرضعة عما أرضعت !!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى