جوائز «مهرجان أبوظبي السينمائي السابع» «تحت رمال بابل» أفضل فيلم وعلواش أفضل إخراج (نديم جرجورة)
نديم جرجورة
شكّلت النتائج النهائية للمسابقات الرسمية الخاصّة بالدورة السابعة (24 تشرين الأول ـ 2 تشرين الثاني 2013) لـ"مهرجان أبوظبي السينمائي"، لحظة تأمّل بمعنى الجائزة، وبارتباطها بالفيلم السينمائي، وبدلالاتها اللاحقة. لكن الأهم هنا كامنٌ في الأفلام العربية المُشاركة في هذه المسابقات، ومدى تواصلها مع الهموم الإنسانية العامة، وتمتّعها بالشرط السينمائي.
في "مسابقة الأفلام الروائية الطويلة"، شارك "تحت رمال بابل" للعراقي محمد جبارة الدراجي ("أفضل فيلم عربي"، 50 ألف دولار أميركي)، و"بلادي الحلوة… بلادي الحادة" للعراقي الكوردي هينر سليم ("لجنة التحكيم الخاصّة"، 50 ألف دولار أميركي)، و"السطوح" للجزائري مرزاق علواش ("أفضل مخرج عربي" ، 50 ألف دولار أميركي)، و"فرش وغطا" للمصري أحمد عبدالله. يُعتبر "فرش وغطا" و"السطوح" أفضل فيلمين عربيين عُرضا في هذه المسابقة: الأول، لانتمائه إلى خطّ سينمائي مستقلّ وحيوي وباحث في أعماق البيئة الاجتماعية ومفاصلها وحكايات ناسها، بلغة سينمائية متماسكة تختبر الاختلاف عن المتداول كنمط جمالي. الثاني، لقوّته التصويرية (شكلاً ومضموناً) في تفكيك البيئة الاجتماعية الجزائرية، بالتوغّل السينمائي في ثنايا المجتمع المهمّش، وفي أروقة فضاءاته المفتوحة على البؤس والتمزّق والخراب والجريمة، بالتزامن مع الصلوات الإسلامية اليومية الخمسة. أما "تحت رمال بابل" و"ماي سويت بيبرلاند"، فمحتاجان إلى تأهيل سينمائي يتوازن والحبكتين الإنسانيتين اللتين تعاينان قسوة السلطة الفاسدة والقامعة وبطشها، سواء تمثّلت السلطة بجرائم صدام حسين ونظامه بحق عراقيي الجنوب (انتفاضة الجنوب مطلع التسعينيات الفائتة)، أو برزت من خلال بيئة كوردية ترفض الاستقامة، وتنبذ حضور المرأة ودورها في تنمية أجيال جديدة متعلّمة. حبكتان محتاجتان إلى شكلين سينمائيين أرقى وأجمل.
في مسابقة "آفاق جديدة"، عُرضت أربعة أفلام عربية أيضاً: "بستاردو" للتونسي نجيب بالقاضي، و"زرافاضة" للفرنسي راني مصالحة (المولود لأب فلسطيني وأم مصرية)، و"فيللا 69" للمصرية أيتن أمين ("لجنة التحكيم الخاصّة بالفيلم العربي"، 50 ألف دولار أميركي)، و"قبل سقوط الثلج" للعراقيّ هشام زمان ("أفضل فيلم عربي"، 50 ألف دولار أميركي). السخرية المغلّفة بنقد قاس وتفكيك أقسى لبيئة فقيرة ومهمّشة في تونس سمة "بستاردو"، المتوغّل في ثنايا مجتمع مرتبك وخاضع لسطوة الفساد الناتج من سلطة الأقوى، وسقوط البعض في فخّ الهيام بسلطة خاصّة به. لكن السخرية في "زرافاضة" لم تبلغ مرتبة الإضحاك ولا المرارة السوداء، لأنها سقطت في تركيبة سينمائية عادية جداً، بدلاً من التحوّل إلى بناء درامي يتّخذ من حديقة الحيوانات في قلقيلية الفلسطينية المحتلّة مساحة لقراءة واقع الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (الواضح في الفيلم)، من خلال جماليات الصورة. بينما رسمت أيتن أمين لوحة قاسية للانهيار الذي أصاب ويُصيب القاهرة، من خلال رحلة مهندس معماري يمضي قدما في اتجاه موته، لإصابته بمرض سرطاني، بالتزامن مع "موت" القاهرة أمام الوحش العقاري والحداثة الباهتة. بينما برز الصراع بين ثقافة قديمة وأخرى عصرية في "قبل سقوط الثلج" من خلال سؤال "جرائم الشرف".
أربعة أفلام عربية أيضاً شاركت في "مسابقة الأفلام الوثائقية": اللبناني محمد سويد جمع مادة مُصوّرة في حلب، ليصنع منها "بلح تعلق تحت قلعة حلب"، مخترقاً الراهن من خلال شخصية مقاتل في "لواء التوحيد". العراقي قاسم عبد اكتفى بتصوير شوارع وحالات وأناس في رام الله وبغداد وأربيل، في محاولة بصرية للاستماع إلى "همسات المدن". أما التونسي حمزة عوني ("أفضل مخرج عربي"، 25 ألف دولار أميركي)، فاختار مدينة المحمدية لنبش يوميات ناسها الفقراء والكادحين والمثقلين بألف همّ وسؤال. بينما تجوّل المصري شريف القطشة في شوارع القاهرة برفقة سائقي سيارات عمومية وخاصّة، راسماً ملامح مدينة، وفضاء بيئة اجتماعية، وحكايات من واقع الحال الآنيّ، في "القيادة في القاهرة" ("أفضل فيلم عربي"، 50 ألف دولار أميركي).