لا شك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه الصهيوني الديني، ومعه جزء من الجمهور الإسرائيلي، يرون في الحرب الممتدة منذ سنة «حرباً وجودية»، ويتصرفون على هذا الأساس، من خلال توسيع الحرب إلى جبهات إضافية، في نقطة تتقاطع فيها أيضاً مصالح البقاء السياسي؛ حيث تصبح الأهداف الطموحة المعلنة مبرّراً لإطالة أمد الحرب، خصوصاً أن إسرائيل أثبتت، رغم كل شيء، قدرتها على تحمّل حرب طويلة.
ورغم أن إسرائيل تمكّنت من توجيه ضربات متتالية شديدة القوّة إلى حزب الله على مدى أسابيع، إلا أن النشوة النابعة من ذلك – وهي مفهومة وبالإمكان تفسيرها بالحاجة إلى التغطية على الإذلال الذي لحق بإسرائيل في هجوم طوفان الأقصى – سرعان ما بدأت تتبدّد نتيجة الخوف من عدم القدرة على ترجمتها إلى اتفاق سياسي يحقق الشروط الإسرائيلية. وانعكست «البلبلة» في الفجوة القائمة بين الكثافة النارية الهائلة من خلال الجو، وعجز القوات البرية عن التقدم. فيما يرتفع منسوب القلق من عدم القدرة على إفقاد حزب الله القدرة على إطلاق الصواريخ واستنزاف الجبهة الداخلية.
في هذا الإطار، يحرص جيش الاحتلال، الغارق في أطول حرب في تاريخ الكيان، على الدعوة إلى «استغلال الإنجاز العسكري المتحقّق، من خلال خطة سياسية، لعدم إضعاف الإنجازات في قتال بلا هدف». ونقل المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشع عن مصادر عسكرية أنه «ليس هناك إنجاز مفصلي آخر بإمكان الجيش تحقيقه، فيما على المقلب الثاني، بإمكان حزب الله أن يستمر في إطلاق القذائف الصاروخية واستدراجنا إلى حرب استنزاف تتعارض مع مصلحة الجيش الإسرائيلي». ومع أن حزب الله «لا يطلق النيران على العمق الإسرائيلي الآن، غير أن في حوزته صواريخ – هي أقل بكثير مما يُعتقد – لكنها أكثر بكثير مما كان لدى حماس».
وبحسب الكاتب فإن مصادر قيادة جيش العدو، تعتبر أن «إسرائيل تقف الآن في نقطة استراتيجية مقابل حزب الله والمحور عموماً. وبعدما قطّعنا ذراعَيْ إيران، أي حماس وحزب الله، لم تتبقّ إنجازات هامة يمكن تحقيقها. صحيح أن ثمة ما ينبغي فعله، غير أنه قليل». وعلى هذا الأساس، ينقل يهوشع عن المصادر نفسها أنه «من الصواب في هذه الأثناء إحضار اتفاق يضمن إبعاد قوات الرضوان والإبقاء على قوّة ونفوذ إسرائيلييْن لمنع تسليح حزب الله، والقيام بتوغلات برية ضد بنية تحتية عند خط التماس إذا ما تطلّبت الحاجة ثم التوصل إلى اتفاق لتبادل المختطفين في غزة».
وبحسب الكاتب نفسه، فإن «حزب الله لا يزال موجوداً، لكنه أصبح منظمة أخرى. ونحن أيضاً لم نكن نؤمن بأننا سنحقق هذا الإنجاز، وكذلك الإيرانيون الذين يعيشون حالة هلع بسبب فقدان الحزب».
وفي سياق مشابه، يعكس أن التسريبات مصدرها الجيش نفسه، رأى المحلل العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، أنه «رغم أن إسرائيل قويّة جداً، غير أنها ليست قادرة على كل شيء»، موضحاً أن الأصوات التي تعالت أخيراً بشأن «انقراض حزب الله كانت خطيرة»، لكونها «تقحم إسرائيل في حرب أبدية في لبنان، ذات كلفة مرتفعة».
أمّا بالنسبة إلى محاولات تشكيل حكومة لبنانية جديدة، وتحريض نتنياهو اللبنانيين ضد حزب الله لكي يكون هناك نظام سياسي معتدل في لبنان تجاه إسرائيل، فرأى ليمور أن مصيرها الفشل، باعتبار أن لإسرائيل تجربة سبق أن فشلت عام 1982، وهو ما أدى عملياً إلى تأسيس حزب الله كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي للبنان.
وفي ما يتعلق بالحديث الدائر في إسرائيل عن تعظيم «سلسلة الإنجازات» التي حقّقتها ضد حزب الله، رأى ليمور أن ذلك بمثابة «نشوة القوة»، محذّراً من أن هذه النشوة «تغري الكثيرين على خوض قتال حتّى النهاية وفي مقدّمتهم إيران»، في حين أن حرباً ضد الأخيرة «ستكون معقّدة وتحيطها المخاطر، وتستلزم تعاوناً مع واشنطن، التي هي الظهر الحقيقي الوحيد لإسرائيل»، ويرى أن الحرب على لبنان «ستنتهي باتفاق، لأن لبنان دولة، وليس منظمة إرهابية»، معتبراً أن إنجازات الحرب لا تُختبر ساعة توقيع الاتفاق وإنما في اليوم الذي يليه.
وبمعزل عمّا تحققه إسرائيل في جميع الجبهات، فإن الأمور «لن تهدأ من دون اتفاق يعيد المختطفين». وهو ما يتطلب «مبادرة وليس ردّ فعل فقط»، ولهذا يقترح «على الحكومة ورئيسها الإيعاز إلى طاقم المفاوضات بإحضار اتفاق، ومنحه تفويضاً وقوة ودعماً لتنفيذ ذلك، لأنه من دون عودة الأسرى لن تنتهي الحرب».
صحيفة الأخبار اللبنانية