جينيفر باسال: حوادث غريبة من عالم الفنّ
هل تاريخ الفن يتناول الفن فقط؟ أو لنصغ الفكرة على نحو مختلف «هل الحديث في الفن يكون عن الفن فقط»؟ الكاتبة، جينيفر باسال تثبت غير ذلك في كتابها الطريف «مفارقة: قصص غير متوقّعة في تاريخ الفن، وغريبة قليلاً، ورائعة إلى حد بعيد» (بنغوين بوكس ـ 2020). علماً بأنها أمينة الفن الحديث والمعاصر في «متحف نورث كارولينا للفنون»، ومضيفة البودكاست المستقل ArtCurious، وهي حاصلة على ماجستير في تاريخ الفن من جامعة نوتردام وبكالوريوس في تاريخ الفن من جامعة كاليفورنيا، وأكملت دورات الدكتوراه في تاريخ الفن في جامعة ولاية بنسلفانيا.
تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: «أكسب رزقي محاطة بالفن – بالكثير منه. بصفتي أمينة للفن الحديث والمعاصر في متحف نورث كارولينا للفنون، أمضيت أيامي أتجول في معارضنا، وأبحث في مختلف المقتنيات، وأناقش ببهجة المزايا والصلات بين الأعمال الفنية. في حين أن كونك بهذا القرب من الفن يعد بمثابة مكافأة بحد ذاته، أعتقد أن إحدى فضائل هذه الوظيفة مقابلة زملاء من عشاق الفن: أولئك الذين يتذكرون رحلات الطفولة الميدانية إلى المتحف، أو يسألون عن موقع لوحة معينة كما لو كانت صديقة ضاعت منذ فترة طويلة. هؤلاء الأشخاص، الذين يتحدثون بحماسة عن ضربات الفرشاة والحرفية، والرمزية والإلهام، هم قبيلتي. مع ذلك، قد تتفاجأ عندما تسمع أنني أحب مقابلة أنواع من البشر غير فنيين ملتزمين بالقدر نفسه. أنا أتعرف بانتظام إلى أولئك الذين ينامون من خلال فصول تاريخ الفن في الكلية، والشخير عندما يتكلم البروفسور المحاضر عن تمازج الألون (sfumato) ووضعية التعارض (contpposto). أسمع من روّاد المتحف الذين يعترفون بأن زيارتهم لم تتأثر كثيراً بالفن، بل بالبرغر الممتاز والبطاطا المقلية في مقهاه. وبالمثل، يشعر البعض بعدم الارتياح لو وطأت أقدامهم متحفاً، وربما ينفرون من قلة التعرض للفنون والخوف من أنهم لن يتمكنوا من فهمها، أو الشعور بأن عالم الفن لم يكن أبداً مرحباً به تماماً». قلنا إنه مؤلف طريف، وقد اخترته بسبب طبيعته هذه ولمنح القارئ (وربما نفسي أيضاً) استراحة نفسية، مهما كانت قصيرة.
تثير الكاتبة شكوكنا بمصير فان كوخ حيث الرواية السائدة تقول إنه انتحر، حيث تورد حكايات عن موته صدفة أو حتى إنه قتل. كما تذكرنا بالادعاء بأن الرسام الإنكليزي ولتر سِكَرت (Walter Sickert) هو نفسه جاك ذا ربر (Jack the Ripper). هذا بعض ما تورده الكاتبة في الجزء الأول من عملها «غير المتوقع» الذي يضم أربعة فصول مخصّصة لسرد قصص وطرائف كثيرة أخرى.
الجزء الثاني «غريبة قليلاً» يضم أيضاً أربعة فصول تحوي قصصاً مختلفة إحداها تتعلق بلوحة الموناليزا وسرقتها وتزويرها مرات عديدة وقصصاً أخرى تجعل القارئ ينظر إليها على نحو مختلف، وكذلك احتمال أن فان كُوخ قُتل، وأن ميكيلانجيلو كان يتاجر بالجثامين، ذلك أنه كان أكثر من رسم لوحات نساء عاريات، ولا ننسَ لوحاته التي تحوي رسوماً تشريحية.
الجزء الثالث والأخير «رائع إلى حد بعيد» يضم الفصول الآتية: «جلسات ومفاجآت: الروحانيات اللواتي اخترعن الفن الحديث»، و«نغمات الغنائم: «موسيقى المؤخرة» في حديقة المسرات الأرضية من رسم بُش»، و«إعلان جاهز: هل البارونة الألمانية مسؤولة عن تحفة مارسيل دوشامب؟»، وأخيراً «أظافر القدم والبريد غير الهام: كبسولات آندي وارهول الزمنية».
كشفت المنسقة الفنية في هذا الاستطلاع الترفيهي عن الخلفيات الدرامية الغريبة والمضحكة وغير المعقولة لبعض أعظم الفنانين في العالم وأشهر الأعمال الفنية، وتشارك القراء بقصص رائعة عن الفن والفنانين وكيف تأثر عالمنا بهم بطرق غريبة وغير متوقعة. كما تكشف عن الجانب الفاضح من الفن في كثير من الأحيان وخرق القواعد والانطباعيين الذين قلبوا عالم الفن رأساً على عقب بمجرد الرسم في الهواء الطلق؛ وكيف استخدمت وكالة المخابرات المركزية التعبيرية التجريدية سراً لتعزيز المُثل الأميركية في أثناء الحرب الباردة.
من خلال هذه الحكايات وغيرها من الحكايات الرائعة والغريبة، يقدم هذا المؤلف نظرة مهمة لكون تاريخ الفن، ولا يزال، عالماً جذاباً ومناسباً لاستكشافه.
صحيفة الأخبار اللبنانية