«جيوش لبنان، انقسامات وولاءات»:قصة عسكريين مغامرين [ 3/3]

لغز مفاضلة إميل لحود قائداً للجيش

فجر 24 تشرين الثاني 1989، انتُخب الياس هراوي رئيساً للجمهورية خلفاً لرينه معوض، ووقّع على الاثر، بعدما اقسم اليمين الدستورية في فندق بارك أوتيل في شتورة وسط اجراءات أمنية استثنائية، مرسومي تعيين سليم الحص رئيساً للحكومة وتأليفها.

لم تكن قد جمعت الرئيس الخلف بإميل لحود معرفة سابقة. التقاه للمرة الاولى في المقر الموقت لإقامة الرئيس ومكاتب رئاسة الجمهورية في ذلك الفندق في 26 تشرين الثاني.

قبيل ذهابه الى الاجتماع به، نصحه حسين الحسيني بتجنّب الخلاف معه وأرشده الى التصرّف بمرونة والاصغاء إليه: انه رئيس الدولة. في غرفة صغيرة من طاولة وكنبة، هو مكتبه الموقت، طلب الياس هراوي الانفراد بالمرشح لقيادة الجيش. للتوّ غادر إدوار منصور المكان. أطرى الرئيس بداية على إميل لحود النائب والوزير والمحامي المشهود له بثقافته، عمّ العميد البحري، قبل ان يوجه اليه السؤال الاول: اذا صرتَ قائداً للجيش، مَن تعيّن رئيساً للاركان ومديراً للمخابرات؟

ردّ: قيل لي فخامة الرئيس انك لن تجري لي فحصاً.

قال: كيف؟

ردّ: انا اعرف الضباط، وسنكون في صدد بناء جيش وطني لا تتدخّل السياسة فيه ولا في تعييناته. لن يُعيّن سوى الافضل. ستعرفني عن قرب اكثر في ما بعد. نريد بناء الجيش.

قال: اذن لا تريد ان تقول لي مَن؟

عقّب: عندما اقرّر فخامة الرئيس، نجلس معاً ونتحدّث في الامر. لكن ليس الآن.

سأل الرئيس: ما رأيك في ميشال حرّوق؟

أجاب: من اجل ماذا؟

قال: مديراً للمخابرات؟

ردّ: لا يصلح.

سأل الرئيس: لماذا؟

اجاب إميل لحود: عمل في ظل جوني عبده سنوات، وكان عرّاب مرحلة بشير الجميّل؟

قال: اي لا تريده.

ردّ: هو من احسن الضباط لمناصب اخرى، لكن ليس بالضرورة مديراً للمخابرات.

قال الرئيس: ما رأيك في رياض تقي الدين رئيساً للاركان؟

ردّ: كان ايضاً مع جوني عبده.

ختم الرئيس المقابلة فجأة بالقول: لا لزوم لمتابعة الحديث. انتهى الاجتماع.

اذذاك انصرف إميل لحود من مكتبه، وكان ادوار منصور لا يزال ينتظره خارجاً. في وقت لاحق اطلع حسين الحسيني وألبر منصور الذي عُيّن وزيراً للدفاع في حكومة سليم الحص على فحوى الاجتماع. لم يكن رئيس الحكومة سليم الحص يعرف، هو الآخر حتى ذلك الوقت، الضابط المرشح لقيادة الجيش. بعد ظهر 27 تشرين الثاني خابر ادوار منصور وسأل: كيف تريدني توقيع مرسوم تعيين قائد للجيش لا اعرفه شخصياً؟ قصد اميل لحود مساء اليوم نفسه منزل رئيس الحكومة في عائشة بكار، وعقد معه اجتماعاً استمر ساعة.

سأله عن رؤيته لتوحيد الجيش واعادة بنائه، فردّ بتحديد اهداف ثلاثة: إبعاده عن السياسة، تنزيهه عن الطائفية والمذهبية، دمج الالوية بعضها بالبعض الآخر بغية إلغاء هويتها الطائفية والمذهبية التي طبعتها سنوات الحرب وتسبّبت في شرذمة المؤسسة العسكرية.

في الجلسة الاولى المقرّرة لتعيين قائد الجيش، 27 تشرين الثاني، تجاوز رئيس الجمهورية اقتراح وزير الدفاع تعيين القائد، وطلب تأجيله الى جلسة ثانية. بعد ارفضاضها دعا الرئيس الوزير الى منزله الموقت، وكان انتقل في ذلك اليوم الى السكن في بيت رئيس فرع البقاع في مديرية المخابرات المقدّم جميل السيّد في بيوت الضباط في ثكنة ابلح، بعدما ضاق ذرعاً في اليومين المنصرمين محاصراً في غرفة فندق.

ابان العشاء قال الياس هراوي لألبر منصور انه يعتزم تعيين قائد سلاح الجو العميد الطيار فهيم الحاج ــ وكانت تجمعه به قربى ــ قائداً للجيش، وهو فاتح دمشق في الامر ووافقت، تبعاً لما قاله. فضّل بادىء بدء العميد جورج حرّوق، الزحلي، احد رموز الحقبة الشهابية ورجال استخباراتها العسكرية. الا انه جُبِه بتحفّظ بادٍ جنّبه تداول اقتراحه مع دمشق جهاراً خشية رفضها له للفور. ردّ ألبر منصور على رئيس الجمهورية انه وعد اميل لحود بالمنصب، وهو غادر المناطق الشرقية وجازف بحياته. أصرّ الياس هراوي على فهيم الحاج، فردّ: كل ما في وسعي القيام به هو الاستقالة من الحكومة. ليأتِ سواي وزيراً للدفاع يقترح فهيم الحاج. لا استطيع التخلّي عن اميل لحود، وقد وعدته.

الحّ الرئيس، فعقّب محدّثه: لا يسعني ان امون سوى على استقالتي.

بامتعاض وانزعاج لم يخفِيا همهمة مسموعة، قال: البارحة تألفت الحكومة واليوم اقبل استقالة وزير الدفاع. لا تمشي الحال هكذا.

تمسّك الياس هراوي باستبعاد اميل لحود، وألبر منصور بتعيينه.

اليوم التالي 28 تشرين الثاني، اجتمع مجلس الوزراء واقترح الوزير المختص مجدّداً اسم مرشحه، فعيّنه مجلس الوزراء قائداً للجيش ورفّعه الى رتبة عماد بمرسوم دُوِّن بخط اليد. كان الاسم الوحيد المرشح للمنصب. اقترن صدور مرسوم تعيينه رقم 3 بفقرة اولى هي اعفاء قائد الجيش العماد ميشال عون من منصبه وتعيين العميد الركن البحري خلفاً له وترفيعه الى رتبة عماد. بدوره المرسوم رقم 4، اليوم نفسه، اعفى اللواء سامي الخطيب بناء على طلبه من مهمته كقائد بالتكليف للجيش. ورغم انهما ضابطان احدهما يتقدّم الآخر برتبته، اضف انه يشغل منصبه بالاصالة فيما الآخر بالتكليف، بدا لافتاً اتخاذ اجراء ينطوي على تشفٍ وتحقير بوضع ميشال عون في تصرّف وزير الدفاع، وسامي الخطيب في تصرّف رئيس مجلس الوزراء.

افصحت احدى حجج ألبر منصور لدى دمشق لتشجيعها على الموافقة على تعيين اميل لحود قائداً للجيش قوله: على الاقل نأتي بشخص لا يفكر في رئاسة الجمهورية.

أورد العبارة مراراً، وألحقها بأخرى كان يستعيدها باستمرار امام المسؤولين السوريين الذين راحوا هم ايضاً يكرّرونها امام زوارهم اللبنانيين: لا يتعبنا لان لا طموحات لديه.

قال كلاماً مماثلاً في وقت سابق لرينه معوض وحسين الحسيني وسليم الحص، عندما باشروا التفكير في بناء الشرعية الجديدة المنبثقة من تسوية الطائف: ضابط عادي لا طموحات رئاسية لديه. لن يشغل بالنا ويتسبّب في مشكلات. يريحنا جميعاً.

على ان دوافع اخرى عزّزت حظوظ اميل لحود على فهيم الحاج، كانت في صلب موقف دمشق وحسمها المفاضلة بينهما. كلاهما ماروني متني: الاول من بعبدات، والثاني من المروج. منذ ما قبل انتخاب الياس هراوي رئيساً لساعات قليلة، فكّرت دمشق في الضابط الموثوق به الذي يطمئنها في قيادة الجيش. وجدت امامها اسمين متداولين: اميل لحود المرشح الجدّي للمنصب مع رينه معوض، وفهيم الحاج اقترحه الياس هراوي على الرئيس السوري عندما حسما انتخاب نائب زحلة رئيساً للجمهورية وتداولا خيارات الحكم الجديد. كلا الاسمين مقبولان يحظيان برضاها. بيد انها في صدد المفاضلة بينهما. بضعة مبرّرات تتيح اختيار فهيم الحاج، الضابط الطيار الذي خبره المسؤولون السوريون قبلاً قائداً للقاعدة الجوية في رياق ثم قائداً لطلائع الجيش العربي اللبناني. أرسى علاقات وطيدة مع الاركان السورية وخصوصاً رئيسها العماد حكمت الشهابي ما بين عامي 1976 و1977، وصادقوه. طمأنتهم خياراته الوطنية ونجاحه في جمع عسكريين مسيحيين ومسلمين في بوتقة واحدة، وإخلاصه في التعاون معهم. على ان المفاضلة قادت الى الاسم الاكثر جاذبية في المناطق المسيحية وسهولة في السيطرة عليه، القادر في الوقت نفسه على فتح قنوات تواصل محتمل مع ضباط يأتمرون بميشال عون، وآخرين يناوئونه لا يزالون يقيمون في المناطق الشرقية لم يلتحقوا به. ناقش رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العميد غازي كنعان الخيارات مع احد ابرز الضباط اللبنانيين ممن هو على تواصل وتعاون سياسي وامني يومي معه، رئيس فرع البقاع في مديرية المخابرات المقدّم جميل السيّد. قال: انت تعرف ان الياس هراوي يريد فهيم الحاج قائداً للجيش، وطرح اسمه على الرئيس الاسد عندما زاره سرّاً اليوم (23 تشرين الثاني). يسألني سيادة الرئيس رأيي في اسمَي فهيم الحاج واميل لحود المطروح ايضاً، ويريد تبريراً لكل منهما. اضاف: فهيم الحاج قدّم للبلد ولنا ونحن مدينون له، وهو وطني صمد. اميل لحود اسم ملائم رغم اننا لا نعرفه تماماً. لكن كل ما يقال لنا عنه يطمئن ويريح. بين المروج وبعبدات فشخة. ما الحجة التي تعتقد انها ترجح كفة احدهما على الآخر لتعيينه قائداً للجيش كي انقلها الى الرئيس ويقتنع به؟

ردّ جميل السيّد: انا اعرف فهيم الحاج وعملت معه في الطلائع، ولا اعرف عن الآخر سوى ما تسمعه انت واسمعه انا عنه، وعن عائلته وبيته الوطني. السؤال هو ماذا نريد من قائد الجيش في المرحلة المقبلة؟

ردّ: قل.

عقّب: نريد قائداً يعيد جمع العسكريين المسيحيين والمسلمين. قد تجدون انفسكم في مرحلة معيّنة في حاجة الى عمل عسكري ضد العماد ميشال عون. المحسوب على سوريا لن يخدمكم كثيراً، بينما قائد الجيش الذي لا يعرفها ابداً وأمضى حياته في المنطقة الشرقية قد يكون أسلَم لجمع الجيش وتوحيده. قد يقولون عن فهيم الحاج اذا عُيّن انه رجل سوريا لانكم تعرفونه وتعاونتم معه وصديقكم منذ سنوات، بينما لا يقال ذلك عن اميل لحود الذي لا يعرفكم. يصل الى قيادة الجيش من بيته السياسي والوطني وليس من طريق سوريا. الاول صبغته سورية لا تجعله يستقطب المسيحيين والموارنة ولا عسكريي ميشال عون، بينما لا صبغة سورية على الثاني. هما متساويان، الا ان الصبغة السورية تؤذي فهيم الحاج لا اميل لحود.

ردّ: كمشتها.

امسك غازي كنعان للفور بسماعة الهاتف وخابر الرئيس السوري، وعرض له المفاضلة التي ادلى بها جميل السيّد.

ضحك لبرهة، ثم اقفل السماعة.

سأله الضابط اللبناني: ماذا؟

اجاب: قال لي الرئيس الاسد ان اقول لك ان الحق معك. اتكل على الله. انه اميل لحود.

كانت المفاضلة محصورة. تحتاج الى قدر قليل من التبرير المقنع كي تغلّب اسماً على آخر. عوض ان تكون الصبغة السورية عنصراً ايجابياً لترجيح كفة فهيم الحاج، اضحت عنصراً سلبياً يُسجَّل لإميل لحود كي يؤول المنصب اليه.

مذ صدر مرسوم تعيينه قائداً للجيش، باشر إميل لحود مهماته بانتقاله في اليوم نفسه، 28 تشرين الثاني، إلى القاعدة الجوية في ثكنة رياق واتخذها مقراً موقتاً لقيادته. يوماً تلو آخر راح يستدعي قادة الالوية العسكرية الستة في بيروت الغربية والجنوب والبقاع والشمال وقسم من جبل لبنان، بعدما آلت إمرتها اليه، للتعارف والاطلاع على اوضاع الثكن والقطع والمنشآت، واستكشاف حاجاتها الى العديد والعتاد. في تلك الاثناء ــ وهو لمّا يزل في المقر الموقت في قاعدة رياق مطلع كانون الاول 1989 ــ قصد يرافقه فادي ابوشقرا دمشق واجتمع للمرة الاولى سرّاً برئيس الاركان العماد حكمت الشهابي. حتى ذلك الوقت كان عرف ضابطاً سورياً واحداً فقط هو علي حمود اجتمع به في 22 تشرين الثاني. في ما بعد استقبل القائد الجديد عدنان بلول مساعد غازي كنعان.

في ذلك الاجتماع السرّي في دمشق، ناقش مع حكمت الشهابي طويلاً دوره والمهمات التي تنتظر الجيش، والطريقة التي يريد ان يقارب بها عمل المؤسسة العسكرية في المرحلة الجديدة، وصولاً الى فريق عمله فيها.

سأله: مَن تفكر في مديرية المخابرات؟

بعدما امتنع عن الافصاح لرئيس الجمهورية حينما استقبله، عشية تعيينه، عن مرشحه لمديرية المخابرات، لم يتردّد في الجهر امام حكمت الشهابي بالاسم: إدوار منصور. اعرفه منذ زمن بعيد. يفهم احدنا على الآخر تماماً.

ردّ: يكفي بيت منصور وزارة الدفاع. ما رأيك في بسام سعد؟

لم يعثر على جواب للتوّ.

بيد انه التقط الاشارة الواجبة: لا تكتفي دمشق بالتحفّظ عمَن لا يرضيها، بل لها الحق في ترشيح اسم.

عنت الاشارة كذلك، ان لا تسمية لمدير المخابرات ــ كما لسواه في الاركان ــ دونما استمزاجها رأيها، او في احسن الاحوال اختيار ضابط عرفته عن قرب.

في بضعة احاديث خاصة سابقة، أسرّ إميل لحود الى رفيقه في البحرية إدوار منصور برغبته في تعيينه على رأس الاستخبارات العسكرية، كي يظل قريباً منه.

أتبع الزيارة السرّية الاولى باثنتين اخريين طيلة مكوثه في القاعدة الجوية، عاد منهما بتأكيد الاركان السورية له وقوفها الى جانبه في مهماته. اكتنف الغموض موقف دمشق مجدّداً من الاركان التي يعتزم القائد الجديد للجيش احاطة نفسه بها، من غير ان تُخطَر بها سلفاً. عندما استقبل وفداً عسكرياً سورياً ترأسه قائد غرفة العمليات الوسطى للقوات السورية في جبل لبنان اللواء عزت زيدان ــ وكان غازي كنعان في عداده ــ مهنئاً إياه بمنصبه، ساورته شكوك في ان يحمل اليه الوفد إيعازاً من قيادته يفرض عليه تسمية عدد من الضباط القريبين من دمشق في مواقع امنية اساسية.

حينما سئل عن تعيينات مديرية المخابرات التي يتحضّر لها، سارع على الفور الى القول انه في صددها، لكن على طريقته، موحياً بجزم بانه هو مَن يقرّر اسماء ضباطها.

سأله عزت زيدان عنهم، فاجاب: لا أزال أبحث في الاسماء.

بعدما لزم قاعدة رياق من 28 تشرين الثاني 1989 حتى 22 كانون الاول، عزم القائد الجديد على الانتقال الى بيروت. كان سبقه رئيس الجمهورية في قرار مغادرة المنزل الذي يقيم فيه في ثكنة ابلح والانتقال بدوره الى العاصمة كي يدير الحكم منها، في عمارة رفيق الحريري في الرملة البيضاء، على بعد امتار من المقر الموقت لقيادة الجيش. في اليوم الـ43 من إقامته في ثكنة ابلح، 6 كانون الثاني 1990، انتقل الرئيس الى بيروت. حتى ذلك الوقت اقام وزير الدفاع ألبر منصور، كإميل لحود، في نادي الضباط في القاعدة الجوية في رياق، واتخذ منه مكتباً وبيتاً. منذ اليوم الاول لانبثاقهما أقامت الشرعيتان السياسية والعسكرية في مقار مستعارة.

كان العبء اكثر ثقلاً على قائد في مكان وأركانه وثكنه وقطعه في مكان آخر. راح ضباط الاركان في الرملة البيضاء يتلقّون اوامره في رياق بالبرقيات والمكالمات الهاتفية على صعوبة الحصول عليها، ناهيك ببريد عسكري يومي يتنقّل براً، قاطعاً مسافات طويلة منهكة ما بين البقاع وبيروت، عابراً بلدات وطرقاً مقطعة الاوصال او في مرمى نيران الخصوم، اضف مجازفة التعرّض لهجوم مباغت وتعريض البريد السرّي للسرقة، ما ارغمهم على احاطته باوسع سرّية متاحة.

في حمأة اشتباك شرعيتين متناحرتين وانتظار اوان اطاحة ميشال عون واستعادة وزارة الدفاع في اليرزة منه، ادرك قائد الجيش ان عليه في مرحلة اولى ان يرث تركة سامي الخطيب في قيادة الالوية التي تأتمر به. سلّم بوجود نبيه فرحات مديراً للمخابرات، وبالنواب الاربعة لرئيس الاركان سعيد القعقور وغسان ضاهر ورياض تقي الدين وجوزف القش، واكتفى بأن ضم الى فريقه الضابطين الموثوق بهما منه صديقيه فادي ابوشقرا وادوار منصور ــ وكانا لازماه منذ وجوده في رياق ــ الى عدد قليل من ضباط آخرين يعرفهم عن قرب أدمجهم في الفريق الجديد، كوفيق شقير عيّنه مديراً لمكتبه ومصطفى حمدان وامين حطيط، ناهيك بضابط آخر موثوق به لديه عرفه مذ كان مديراً للافراد فعمل في ظله، هو سالم بوضاهر.

عنى ذلك بالنسبة اليه ان اعادة بناء المؤسسة العسكرية مؤجلة. بيد انه فاجأ نواب رئيس الاركان بالقول لهم ما ان استقر في المقر الموقت للقيادة في بيروت: لستم اركاني وانا لا اعترف بتعيينكم.

اقرن القول بالفعل بأن طلب منهم التوقف عن توقيع البريد كي يتولاه هو نيابة عنهم، وهو يدخل في صلب صلاحياتهم، إشعاراً منه لهم بأن وجودهم الى جانبه هامشي، لا يعيره اهتماماً وجدّية. وضع القرار بين يديه تماماً، من غير ان يعوّل على اقتراحاتهم ما خلا اصغاءه الى ادوار منصور وفادي ابوشقرا فحسب. لم يتردّد في تمزيق تقارير الضباط الاربعة الكبار، وكذلك مذكرات الخدمة ما ان تصل اليه، ويستبدلها بأخرى. أحجم عن تكليفهم مهمات، فلم يعد في وسعهم ان يعرفوا ما يفكر القائد في القيام به او القرارات التي يُعدّ لها، وقصر علاقته بهم على تعامل واقعي بارد غير مجدٍ حتى اطاحة القوات السورية ميشال عون عام 1990 وإخراجه بالقوة من اليرزة وقصر بعبدا. بدا انه ينتظر هذا اليوم كي يبدأ دوره حقاً، ويتخلّص من التركة هذه. بانتقاله الى المقر الآخر الموقت لقيادة الجيش في الرملة البيضاء، اتخذ من الطبقة الثالثة مكتباً تجاوره غرفة منامة له، هو المكتب الذي شغله مدير المخابرات نبيه فرحات الذي هبط الى الطبقة الثانية. بتدابير امنية استثنائية احاط إميل لحود اقامته الموقتة. ما ان ينتهي دوام العمل يقفل باب مكتبه الموصول بغرفة نومه منذ ما بعد الظهر او المساء من الداخل. خصّ فادي ابوشقرا من دون سواه باحد مفتاحي المكتب، بينما احتفظ هو بالآخر. في الصباح يفتح عليه الباب كي يوقظه.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى