«حرائر» الشام يخرجن إلى النور
مئة عام انقضت، ودمشق ما زالت تحمل حرائرها. ينطلق مسلسل «حرائر» من هذا التصوّر في تناوله فترة مفصلية من تاريخ سوريا (1915 ــ 1920)، في عمل من إخراج باسل الخطيب وكتابة عنود الخالد وتنتجه المؤسسة العامة للإنتاج». من خلال استحضار نازك العابد وماري العجمي، يحشد العمل نساء كثيرات، منهنّ نماذج نسائية حقيقية، ومنهنّ نماذج متخيّلة مرتبطة بالسياق التاريخي.
يحمل النصّ قيمة معرفية، من خلال تناوله حقبة تاريخيّة تفاصيلها غير معروفة، أو معروفة ولكن بشكل غير دقيق. وإذا كان التوق إلى الماضي هروباً ملتبساً من الحاضر في الكثير من الأعمال الدرامية، فإنه عند الخطيب عودة لا بدّ منها. يقول مخرج «حرائر» لـ «السفير»: «صحيح أنني ألتفتُ بين الفينة والأخرى إلى التاريخ، لكني أقف على أرض الواقع. في مجتمعنا المعاصر اليوم، كثير من الشخصيات النسائية الفاعلة، وهذا كان حاضراً في الثلاثية السينمائية الأخيرة التي قدمتها «مريم»، «الأم»، و»سوريون». ويضيف: «ما نريد قوله إن الصور التي روّجت لبلاد الشام بأنها مجتمع مغلق وقاتم، كانت مغلوطة».
انطلق تصوير المسلسل في منتصف آذار/ الحالي بين حارات الشام القديمة واستوديوهات مدينة الفيصل في منطقة الصبورة، على أن ينتقل فريق العمل إلى مدينة طرطوس ومنطقة مشتى الحلو لاحقاً.
يضمّ المسلسل ثماني شخصيات نسائية في البطولة. تؤدّي سلاف فواخرجي دور بسيمة التي قررت التمرّد على الأعراف والتقاليد في سبيل إعالة بناتها وتعليمهن. تشاركها البطولة كل من صباح الجزائري، وميسون أبو أسعد، وندين سلامة، وتولين البكري وغيرهنّ. وتؤدي لمى الحكيم دور نازك العابد، وحلا رجب دور ماري العجمي. وفي البطولة أيضاً الممثل أيمن زيدان، يشاركه مصطفى الخاني، ونجاح سفكوني، ورفيق السبيعي، ومحمود نصر وآخرين.
في موقع التصوير الذي زارته «السفير» قبل أيّام في باب توما، تجلس بسيمة قرب زوجها المريض على السرير (يؤدي الدور يحيى بيازي) تطالب بحقّه من أخيه صبحي. تحمل الشخصية شحنات عاطفية محصّنه بالحكمة. يطلب المخرج تعديل ديكور بعض التفاصيل في الغرفة، ويطلب إعادة المشهد. يؤدي أيمن زيدان دور صبحي، ويجسّد الحالة الذكورية المتخلّفة. يقول زيدان لـ «السفير»: «الشخصية بما تحمله من تناقضات، هي تعبير صارخ عن الأسوار المفروضة على المرأة الدمشقية». ويضيف: «أن أقدّم اقتراحاً درامياً لا أتوافق مع أفكاره كان بمثابة إغراء بالنسبة لي». لكن بالنسبة لزيدان، فإن عنصر الجذب الأساسي للتواجد في «حرائر» هو العمل مع باسل الخطيب. «لم ألتقه منذ أكثر من عشر سنوات. كان لدينا مشروع مشترك لسنوات طويلة قدمنا من خلاله مجموعة من الاقتراحات بدءاً من «أيام الغضب»، و «هوى بحري»، و «هولاكو»، و «جواد الليل»، و «حنين»، يخبرنا، مشيراً إلى أنَّه وجد نصّ العمل «أشبه بالمرافعة عن المرأة السوريّة في مطلع القرن الماضي». يلفت في هذا السياق إلى أنّه «كما كان هناك تطرف في تصوير خنوع المرأة ومبالغة في تهميشها في بعض أعمال البيئة الشاميّة، هنا أيضاً يوجد قليل من المبالغة في حالة الدفاع عنها، إذ إنّ وجود نماذج موثقة ومتنوّرة لا يعني أبداً أنها شكّلت سمة اجتماعية طاغية، بل ظلّت حالات نادرة».
يؤدي مصطفى الخاني دور سعيد، وهو شاب رقيق، تربّى على قيم اجتماعية وأخلاقية تسبّب باصطدامه مع والده صبحي تاجر الأقمشة. يقول الخاني لـ «السفير: «ينشط سعيد في جلسات تنويرية وحراك ضد المستعمر العثماني حتى طرده من البلد، وأيضاً يحضر عبر قصة حب تجمعه مع ابنة عمّه سعيد، ويعايش فترة دخول المستعمر الفرنسي إلى سوريا». ويضيف: «يحمل الدور ملامح مختلفة تماماً عمّا قدمته سابقاً من أدوار، وكانت غالبيتها ذات طابع شرير».
من المؤكد أن الكلمة المليئة بالمعنى هي «حرائر» نفسها، الكلمة التي أفرغت من محتواها جرّاء الحرب المجنونة التي تعيشها البلاد… فهل سيكون ممكناً في مكان ما وزمان ما، وربما عبر الدراما والفن فقط، استرجاع تلك الحرية المدفونة فيها؟ ننتظر المشاهدة.
صحيفة السفير اللبنانية