حسن مرزوقي يَفي بنَذره قصصيا
صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، المجموعة القصصية الأولى للقاص التونسي حسن مرزوقي، حملت عنوان “النَّذر وقصص أخرى”. هو كتابٌ لقاصٍّ يندرُ أن تجدَ حساسيته في القصَّة العربية، لأنَّه ينذرُ قصصه كنذرٍ حقيقيّ، بأسلوبٍ واقعيٍّ مبنيٍّ على المضي بالواقع إلى الدرجة التي تجعلُ منه فانتازياً.
منذ البداية تريدُ إحدى شخصياتِه أنْ تنتحرَ بسُمِّ فأرٍ مستورَدٍ من الهند، في حين أنَّ شخصيةً أخرى تطربُ لإيقاع الحَجَر، ثمَّ يشي بنفسهِ في قصَّةٍ أخرى، ليُمعنَ في السرَّد واضعاً القارئ أمامَ عوالمٍ نسيجُ هوائها كآبةٌ خفيفةُ الظلّ. كلُّ شيءٍ هنا واقعيٌّ لكنَّه يتجنَّبُ الواقعيةَ في الوقت ذاته.
هل ما نقرأهُ هنا قصصٌ حدثت بالفعل؟ أم أنَّها مونولوغات داخلية، لكاتبٍ يضعُ جميعَ شخصياتهِ التي يخلقُها على طاولةٍ ويذبحها ببطءٍ، ونحن إذ نقرأ، لا نعرفُ هل ما سَالَ منها دمٌ أم ماء التونيك؟ هكذا نمضِي مع حسن مرزوقي في رحلةٍ يصبحُ فيها الميترو كإناء غسيلٍ تتفسَّخُ فيه الأرواح، لكنَّنا سنتَّخذُ طريقاً أخرى، ونسافرُ فوقَ سماءِ خريطةٍ تحتفظُ بها ذاكرةٌ مشروخة. لكنَّنا، سنختبرُ الألمَ في جوٍّ كافكاويٍّ لا يكتفي بأن يكون خلفيةً للمشاهدِ والحوارات، بقدرِ ما ينغمسُ في كلِّ تفصيلٍ ترصده كاميرا قنَّاصٍ يحملُ كأساً ويُجهِزُ على العالم بعدسةٍ استثنائية.
يكتبُ حسن مرزوقي بلغةٍ جارحة، ساخرة، تنعكسُ سخريتها على مصير الإنسان بين الحب والوطن والموت، فـ “عندما كانت المقبرة بعيدة كان للموت هيبة”، ولماذا تصبحُ الأجسادُ على هشاشتها مستعدَّة لمواجهة صروف الدَّهر كلِّها، وكيف يدركُ المرءُ أنَّه قطعة دومينو في دوَّامة تشبه المتاهة.
“النَّذر وقصص أخرى” مجموعة قصصية أولى للكاتب التونسي حسن مرزوقي، صدرت في 128 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة “براءات”، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
وحسن مرزوقي، باحث وإعلامي تونسي من مواليد 1973 بمدينة الرديف التونسية. حاصل على شهادة “التعمق في البحث” في الدراسات الحضارية سنة 2001، من الجامعة التونسية. له دراسات ومقالات في مجال العلوم الإنسانية.
بدأ حياته المهنية بالتدريس ثم اشتغل في الميدان الإعلامي منذ حوالي عقدين. بدأ بالصحافة المكتوبة في البحرين ثم دخل المجال التلفزيوني حيث أشرف على الموقع الإلكتروني للجزيرة أطفال سابقاً، ثم على موقع الجزيرة الوثائقية، وأيضاً أشرف على مجلتها اللإلكترونية. صدر تحت إشرافه خمسة كتب حول السينما الوثائقية. التحق منذ العام 2014 بالجزيرة الإخبارية منتجاً للبرنامج الثقافي الشهير “المشاء”.
من الكتاب:
لم أمتْ رغم أنني شربتُ ما يكفي لقتل عشرين فأراً على الأقلِّ …
سألتُ عمّ الطاهر العطَّار “كم يلزم لقتل فأر؟” فقال لي: غرام واحد …
وكم يلزم لقتل بشر …؟
“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اتصبح هالصباح …” أخذتُ كيس سُمِّ الفئران ومضيتُ.
يومها وضعتُ عشرين غراماً وربَّما أكثر.. خلطتُها جيِّداً في كوب الماء حتَّى صار لونه كالباستيس… لا أُنكر أنني تردَّدتُ قليلاً قبل شربها، ولكنْ لم أتراجع عن قراري.
أنا واثق أنني وضعتُ ما يكفي لقتل عشرين فأراً… ورغم ذلك لم أمتْ.
لا أدري هل ذكرتُ لكَ هذه التفاصيل من قبلُ أم لا…؟
المهمُّ …
لم يكن مشرِّفاً لي أن أُقارن نفسي بأربعة أو خمسة فئران… فلو وضعتُ غراماً أو غرامَيْن سأموتُ فعلاً كفأر، وآخذ وقتي الكافي كي أموت. لم أشأ أن آخذ وقتي الكافي لأموت، أردتُ أن أموت على نحو بطولي وسريع. يشبه الموت بالرصاص في حرب خاسرة.