حسين العودات ..جمع أوراقه ورحل !

آخر مرة شاهدته فيها، كان قبل نحو سنة في مناسبة حزينة، عندما توفيت والدة السيدة عزة الشرع مديرة القناة الأرضية في التلفزيون العربي السوري، وهي قريبته كما أظن..

كان حسين العودات يتوكأ على عصاه متعبا .

خرج من العزاء شاردا ربما لأنه لا يريد أن يوحي للآخرين أن بصره لم يعد يساعده على التمييز بين من يعرفونه وبين من لايعرفونه، أو ربما لأنه لا يريد أن يحرج أحدا من ((المولاة)) في مصافحة ((معارض)) !

لفت يومها أنظار كثير من المعزين الذين يعرفون مواقفه الحادة المعارضة، ويفترض، كما اعتاد الناس، منذ عام 2011، أن يكون المعارض خارج البلاد، فكيف إذا كان من نوعية حسين العودات . وفي هذه الحالة كيف يظهر في مكان عام، وكيف يستمر في الكتابة من موقعه عن الأزمة السورية قاسي العبارات والتوصيف، ويبقى في دمشق؟!

هذه الأسئلة وردت في خواطر كثيرين، وباح بها بعضهم ..

لم تأت شهرة حسين العودات من كونه معارضا، فالمعارضة التي عرفت الناس ببعض الأسماء اندمج معها منذ اللحظات الأولى، بل إن الكثير من مداخلاته في الأنشطة العامة كانت تحمل رأيا انتقاديا مواجها حتى قبل أن يحرق الشاب التونسي محمد البوعزي نفسه بسنوات ، فقد كان حسين العودات جريئا يعرف كيف يقدم وجهة نظره المعززة بالأرقام ، وخاصة تلك التي تحمل طابعا ثقافيا ..

كانت آخر تغريداته ، أو تعليقاته التي قرأتها على وسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة، ولا أعرف لماذا كتبها، وماذا كان يفكر لحظة كتابتها ، فهي تتعلق بفقدانه البصر، فقد أصابه العمى قبل نحو شهرين، وكان متفائلا لأن الأطباء أخبروه أن البصر سيعود إليه، فكتب يقول : ((قبل أسبوعين فقدت البصر وأرجو أن لا أفقد البصيرة ، أشار الأطباء أن هذا الأمر مؤقت . أرجو ذلك كما أرجو من الأصدقاء اعذاري عن عدم الرد على رسائلهم .))

وفي 23 آذار الماضي نشر شيئا يتعلق بتقاعده في اتحاد الكتاب العرب الذي قال عنه إنه قطع بقرار من رئيس الاتحاد السابق .علما أن التقاعد في اتحاد الكتاب رمزي، وبالكاد يؤمن له شراء الصحف والكتب.

جاء الخبر مفاجئا، فقد جمع الكاتب الصحفي المعارض حسين العودات كتبه وبحوثه وأوراقه ورحل إلى ديار الحق.. رحل قبل أن يشهد حلا لأكبر أزمة عاشتها سورية منذ حرب السفر برلك ، وكان هو وجها من وجوهها .

ترك مجموعة من أجمل الكتب في موضوعاتها ككتاب : الموت في الديانات الشرقية الصادر في دمشق عام 1986 وكتاب العرب النصارى، الصادر في دمشق عام 1992. وترك مقالات هامة في الصحافة العربية وتجربة غنية في النشر ، لكن أهم شيء تركه هو أسئلة بلا أجوبة . أسئلة تبحث عن حقائقها في مصير الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس في سورية، ومن بينها سؤال يقول :

أليس من حق السوريين أن يسمعوا وجيب القلوب الضعيفة التي تقترب من الموت دون أن تسمع الخبر اليقين عن الحل الذي يعيد لسورية ألقها ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى