تحليلات سياسيةسلايد

حفاظًا على منصبه: نتنياهو باع الكيان لترامب الذي أذلّه علنًا بشعار الولاء مقابل الحماية..

زهير أندراوس

قال زعيم المعارضة الإسرائيليّة، يائير لابيد، إنّ ترامب أكّد في خطابه أمام الكنيست مؤخرًا أنّ “نتنياهو أراد مواصلة الحرب في غزة، لكني قلتُ له توقّف، فاضطر للتوقّف”، وبذلك تحولت إسرائيل إلى “محميةٍ”، لأنّ الرئيس الأمريكيّ أعلن أمام جميع أعضاء الكنيست، وفي خطاب سمعه كل العالم قائلاً: “لقد ثنيتُ نتنياهو، وأجبرته، وأجبرته”.

 

في هذا السياق، أكّد يهودا شاروني، الكاتب في موقع (WALLA) الإخباريّ-العبريّ، أكّد أنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “باع” إسرائيل لدونالد ترامب، وهكذا أصبحنا محميةً أمريكيّةً، من خلال استعداد الحكومة للاستسلام أمام الأمريكيين، وتحت ستار كثيرٍ من الشعارات قدّمت سلسلة من التنازلات التي تُفرغ مفهوم الاستقلال من محتواه، لأنّ الضغط الأمريكي يُلقي بظلاله.

وزعم شاروني أنّ نتنياهو خضع بصورةٍ غيرُ متوقعةٍ أمام صاحب “الشعر الأحمر”، الذي لا يتردّد في “إذلاله”، وهكذا ضاعت الخطوط الحمراء التي ما فتئ يكرّرها، ويزعم أنّه لا يجب تجاوزها، حتى عندما يتعلّق الأمر بأصدقائنا الأمريكيين، لكنّها تبخّرت أمام ترامب ومبعوثيه.

من جهته، توقّف إيتمار آيخنر، محرر الشؤون السياسية بصحيفة (يديعوت أحرونوت)، عند ما أسماها “قاطرة” المبعوثين الأمريكيين القادمين إلى إسرائيل على مدار الساعة، وهم مبعوثا ترامب المباشران ستيف ويتكوف وجيراد كوشنر، نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وقبلهم جميعًا حين أتى ترامب في زيارةٍ تاريخيّةٍ، وكلّهم أتوا لهدفٍ واحدٍ وحيدٍ، وهو مراقبة أداء حكومة نتنياهو عن كثب لتطبيق اتفاق وقف الحرب مع حماس في غزة.

وتابع: “صحيح أنّ نتنياهو يدّعي أننا لسنا “دولة محمية”، لكن الواقع يقول إنّ نفوذنا يتقلّص، حيث يصل التدخل الأمريكيّ في شؤونها الداخلية إلى مستوىً جديدٍ، وكأنّ وجود كبار المسؤولين الأمريكيين، وإنشاء مقرٍ دوليٍّ على حدود غزة، وفي مواجهة حكومةٍ يمينيّةٍ متطرفةٍ، يعني أنّهم يضعون قواعد واضحة في غزة، خلاصتها أنّهم لن يدَعوا الاتفاق ينهار، الأمر الذي دفع غادي آيزنكوت، قائد الجيش الأسبق، للقول إنّ “إدارة اتفاق وقف إطلاق النار من جهة خارجية، يعدّ أمرًا إشكاليًا”.

وأكّد، نقلاً عن مصادره، أنّ السياسة الأمريكيّة الجديدة تجاه إسرائيل تشبه (مراقبة أطفال أوْ بيبي سيتر)، ولعله دقيقًا استلهام صورة من عالم كرة السلة حين تحوّل الأمريكيون إلى حراسةٍ شخصيّةٍ مشددةٍ، ولن يسمحوا لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار.

من ناحيته أكّد مراسل (يديعوت أحرونوت)، دانيئيل إديسلون، إنّه لهذا السبب قرروا الحفاظ على وجودٍ ثابتٍ لكبار المسؤولين هنا، ولا يغادروا إسرائيل لحظةً واحدةً، لافتًا إلى أنّ التدخل الأمريكيّ فيما يحدث في المنطقة يُحطّم كلّ الأرقام القياسية، وسط إقرارٍ إسرائيليٍّ بمحدودية قدرتها على إيقاف القاطرة الأمريكيّة.

وشكّلت زيارة فانس للمقر الرئيسي للقوات الأمريكية على حدود غزة، في مستوطنة (كريات غات)، رسالةً لنتنياهو لتذكيره بهوية القائد الحقيقيّ داخل إسرائيل ذاتها، حين عقد مؤتمرًا صحفيًا داخل القاعدة العسكرية، محاطًا بجنودٍ أمريكيين، وجنرالاتٍ بارزين.

بل إنّه وجّه “صفعةً” للأخير حين أكّد أنّ بعض القتلى الإسرائيليين مدفونون في غزة على عمقٍ كبيرٍ تحت الأرض، وسيستغرق تحديد مكانهم جميعًا وقتًا، لذلك علينا التحلي بالصبر، بعكس موقف نتنياهو الذي يطالب حماس صباح مساء باستعادتهم، وفورًا.

وهذا يعني أنّ الأمريكيين هم أصحاب القرار، حتى لو حاولوا إقامة إدارةٍ مشتركةٍ ومتساويةٍ مع إسرائيل، لكنّهم هم مَنْ يحددون وتيرة العمل، ما يثير تساؤلات حول كيفية تعامل حكومة اليمين الفاشيّ في إسرائيل مع هذا النفوذ الأمريكيّ الخانق عليها.

أمّا يوسي بيلين، نائب وزير الخارجية الأسبق، اعتبر في مقاله بصحيفة (إسرائيل اليوم)، أنّ نتنياهو الذي أقنع جمهوره بأنّه وحده القادر على الوقوف في وجه الضغوط الأمريكيّة، وتفاخر لاحقًا بقربه من ترامب، يبدو اليوم وكأنّه “ابن أفضل صديق له”، والأخير يعلم أنّه يتمتع بشعبيةٍ في إسرائيل أكثر بكثيرٍ من نتنياهو، ويشعر بالمرح عندما يجبره على وقف الحرب.

وتابع أنّه مع العلم أنّ إسرائيل لم تكن يومًا معتمدةً على واشنطن إلى هذا الحد، ما يؤكّد أنّ الحديث لا يدور عن تحالفٍ بين دولتيْن، بل اعتماد من نتنياهو على شخص دونالد ترامب، الذي يطالب بـ “الولاء مقابل الحماية”، لأنّ هذا العناق الدافئ بينهما والتصريحات الحميميّة من كليهما يكمن خلفه حقيقة مُقلقة مفادها أنّ إسرائيل فقدت استقلالها الاستراتيجيّ.

“أصبحت إسرائيل تدريجيًا دولةً تابعةً لأمريكا، ليس لأمريكا كلّها، بل لأمريكا واحدة، أمريكا ترامب، لأنّ كلّ قرارٍ سياسيٍّ أوْ أمنيٍّ أوْ مدنيٍّ تتخذه يُفحص الآن من منظورٍ أمريكيٍّ بالدرجة الأولى” وفقاً لما ذكره النائب السابق بالكنسيت إيتان كابل في مقاله على موقع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ.

وأضاف أنّ ما أسماه “الحلم الإسرائيليّ بأنْ تكون (النجمة الحادية والخمسين على العلم الأمريكيّ)، لم تكن أقرب من أيّ وقتٍ مضى، لكنّه يتحقق اليوم ليس من باب الاحترام المتبادل، بل من باب التبعية التي تتسبب بشلل الدولة، إلى درجةٍ أنّ ترامب يتدخل مرتين أسبوعيًا في دعوى جنائيةٍ تُقام ضد نتنياهو، ليس كمتفرجٍ، بل كشخصٍ يمارس ضغطًا سياسيًا وقانونيًا مباشرًا على دولة يُفترض أنّها ذات سيادةٍ.”

واختتم: “إنّ هذا لم يعد تصريحًا متعاطفًا، بل تدخلاً فظًّا، ولا يُشبه علاقة بين دولٍ عاديةٍ، إنّه يُذكرنا أكثر بنمط تحصيل رسوم الرعاية، فترامب لا يُقدّم الدعم لإسرائيل، بل يُطالبها بالولاء الكامل، ويستبدل لغة الدبلوماسيّة بلغة المساومة، الأخذ والعطاء، الدعم مقابل الاستسلام، الضغط مقابل الصمت”، طبقًا لأقواله.

يُشار إلى أنّ إسرائيل، إذا كانت الأقوال التي ذُكِرَت أعلاه، صحيحةً ودقيقةً، أصبحت الآن كباقي الدول العربيّة، والخليجيّة تحديدًا، خاضعةً بالكامل للسياسة الأمريكيّة الخارجيّة التي لا تعرف ألقيم، بل المصالح فقط.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى