حقائِقٌ جديدةٌ تُؤكِّد أنّ استبعاد ظريف عن زيارة الأسد السريّة لم تكُن “خطأً بروتوكوليًّا” وإنّما مُتعمّدة..

ما زالت تداعيات زيارة الرئيس السوريّ بشار الأسد إلى طِهران يوم 24 شباط (فبرابر) الماضي تتواصل، وتنعكِس بطريقةٍ أو بأُخرى، سواء داخل إيران وصِراع الأجنحة فيها، أو على صعيد العلاقات الإسرائيليّة الروسيّة التي يبدو أنّها دخلت مرحلةً جديدةً بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نِتنياهو الأخيرة والخاطِفة لموسكو، محورها الاتّفاق على إنهاء الوجود الإيرانيّ في سورية.
محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيراني، الذي استقال “حردًا” من منصبه احتجاجًا على عدم حُضوره للِقاء الرئيس السوريّ الضّيف مع المُرشد الأعلى السيد علي خامنئي، بَدأ يتُخذ لهجة “صقوريّة” في تعاطيه مع عدم تنفيذ أوروبا لتعّهداتها بالتّواصل تجاريًّا واقتصاديًّا مع بلاده، وهدّد في تغريدةٍ على حسابه على “التويتر” بالانسِحاب من الاتّفاق النوويّ برمّته.
يبدو أن هذا التّهديد يأتي انعكاسًا لتصريحات للمُرشد الأعلى السيد خامئني أكُد فيها أنّ الاتفاق النووي مع الدول الست العظمى الذي سعى إليه المُعتدلون، وعلى رأسهم السيدان روحاني وظريف لم يَحُل أيّ من مُشكلات إيران الاقتصاديُة، ووصف فيها الأوروبيين بأنّهم سيئون “بسبب طبيعتهم الخبيثة” التي عكستها سياساتهم في المنطقة طِوال السنوات الماضية، كما أنّه ربّما يوحِي بسياسة إيرانيّة مُتشدُدة تُجاه أوروبا خاصّةً بعد مُطالبة فرنسا بإنهاء إيران لكُل تجاربها الصاروخيّة الباليستيّة كشرطٍ لرفع الحِصار عنها.
صحيح أنُ السيد ظريف سحب استقالته، وعاد إلى عمله على رأس وزارة الخارجيّة الإيرانيّة، بدعمٍ واضحٍ من الرئيس روحاني الذي رفض قُبول الاستقالة، لكن الكثير من المُراقبين يعتقد أن أزمته مع الجناح المُتشدّد بقيادة المرشد الأعلى وذراعه اليميني الجِنرال قاسم سليماني، لم يتم طيّها كليًّا وأنّ نار الخِلافات قد تكون خبَت قليلًا ولكنّها ما زالت تحت الرّماد.
القول بأنّ استبعاد ظريف من لقاءات الرئيس الأسد مع المُرشد الأعلى والرئيس روحاني جاء نتيجة خطأ “بروتوكولي” لا يُقنع إلا من يُريدون الاقتناع أساسًا، فالسيد بهرام قاسمي، المُتحدّث باسم الخارجيّة، أكّد أنّ وزارته لم تعلم بزيارة الرئيس السوري إلا بعد وصول الأخير إلى دمشق، ونشر الصور عن اللقاءات الرسميّة، وقال إنّ هذا التّجاهُل هو أحد أسباب استقالة الوزير ظريف ممّا يعني أنّ هُناك أسبابًا أُخرى مُتراكمة من الواضح أن اللواء سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي أشرف على كُل التّفاصيل والتُرتيبات الأمنيّة الدّقيقة لهذه الزيارة “السريّة” والتي هي الأُولى للرئيس الأسد إلى دولةٍ غير روسيا منذ ثماني سنوات، لا يُريد، ولأسبابٍ أمنيّة حتمًا، اطلاع السيد ظريف أو وزارته وربّما العديد من المَسؤولين الآخرين أيضًا عليها في إطار هذه التُرتيبات، وتحسّبًا لأيّ تسريب يُؤدّي إلى تعريض حياة الرئيس الزائِر للخطر، وهذا لا يعني عدم ثقة بالسيد ظريف، وإنّما تجنّبًا لأيّ تسريب مهما تضاءلت احتمالاته، مثلما ذكر لمراسل هذه الصحيفة مصدر إيراني موثوق في بيروت.
اللواء سليماني هو الذي يُدير الملفُات “العمليّاتيّة” للدولة الإيرانيُة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصّة في الملفين السوري والعراقي، وكُل تشابكاتهما الإقليميّة والدوليّة، أمنيًّا وعسكريًّا، ودور السيد ظريف شرح السياسات، وإدارة مُفاوضات، وحمل رسائل رسميّة، وتقديم وجه دبلوماسي “باسِم” للدولة الإيرانيّة، والأمر المُؤكّد أن هذا الوجه الحضاري ربّما سيتحوُل من الابتسام إلى العُبوس في حال قرّر المرشد الأعلى تنفيذ تهديداته لاوروبا، بعد التوصّل إلى قناعةٍ راسخةٍ بعدم جدوى الرهان عليها، وانتظار مُساهمتها في حل مشاكل إيران الاقتصاديّة الطّاحنة بسبب العُقوبات الأمريكيّة، وفي هذه الحالة، فإنّ دبلوماسيّة سليماني “العمليّاتيّة” ستتقدّم على نظيرتها “النّاعمة” التي يتبنّاها السيد ظريف، ممّا يدفع الأخير، إذا صح التّحليل، إلى تقديم استقالة نهائيّة، غير قابِلة للسّحب.. والعودة إلى العمل الأكاديميّ في جامعة طِهران.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية