حكايات أوزوالدو دراجون وأيمن زيدان!
خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لا أحد يعرف السبب الحقيقي لاختيار الفنان الكبير أيمن زيدان نص مسرحيته الأخيرة من حكايات أوزوالدو دراجون :
- حكاية مرض أسنان
- حكاية صديقنا بانجيتو
- حكاية الرجل الذي صار كلبا
فهي حكايات تعود لمرحلة غير هذه المرحلة ولمكان غير هذا المكان الذي نعيش فيه، لذلك تم تنبيهنا إلى أن هذه الحكايات قد تحصل عندنا، لكننا جميعا نعرف أنه يريد أن يقرع جرس إنذار مسرحي لواقعنا الذي يتردى إلى درجة الخطر الاجتماعي الذي تتسع فيه دائرة الفساد والجشع فيه حتى تكاد تصبح بحيرة اجتماعية واسعة ؟!
إحدى المعجبات بأيمن زيدان علقت بعد انتهاء العرض، قائلة:
ــ أبدع أيمن زيدان كثيراً في نص عن واقع لدينا أبشع وأخطر منه (!!) …
ياله من تعليق!
تعليق يحمل رسالتين دفعة واحدة :
الأولى تتعلق بإبداع أيمن زيدان الإخراجي، فهي تثني عليه، والثناء على أيمن زيدان ليس جديداً، وهو لا يحتاجه بقدر ما يحتاج إلى نقد تفاعلي مع أفكاره، فقد استخدم أدواته، وكأنه يبحث عن شيء يكسر مأساوية الحكايات المرة، فإذا نحن أمام رشاقة كبيرة في استخدام الأدوات أدخلت لمسات خفيفة الدم على صور الوجع الكبير، وهو، أي أيمن زيدان، لم يتردد في تسميتها (كوميديا الوجع) التي لا تضحك. ربما تبكيك من الداخل، وأنت تبتسم على المفارقات التي يتم توظيفها ببراعة على الخشبة .
والرسالة الثانية تتعلق بالنص، وهي مشكلة صار ينبغي أن تتحول إلى قضية ثقافية يقحم فيها الكتّاب في مواجهة صريحة، فلماذا لا يكتبون لمسرح سوري يحتاج إليهم؟ هل هو المردود، أم الخوف، أم العجز؟!
وهاهو أيمن زيدان ، لايخاف، وينشغل في المسرح عن مردوده الكبير الذي يمكن أن يأتيه من التلفزيون، ولكي لايعجز عن الإنتاج لنقصان النصوص يستعين بكاتب أرجنتيني طافت حكاياته العالم ، ليقوم كاتب درامي هو محمد الجعفوري بإعداده للخشبة السورية..
لماذا أوزوالدو دراجون ، ولماذا تعليب لحم الجرذان ؟ ولماذا يصير الرجل كلبا ؟! ولماذا وجع الأسنان ؟!
في اقتباسات الكاتب محمود الجعفوري لعبة، كان يمكن الذهاب بعيداً فيها في استخدام مفردات الواقع السوري، وكما حصل فعليا، عندما لمس المشاهد السوري بعض هذه المفردات تلقفها سريعا، أحسها ، اندمج معها وفهمها ، في الإدخالات على مقدمة المسرحية وفي نهايتها من خلال لعبة القذائف أو الحواجز، وكان واضحا تفاعله معها، وإذا كانت أمانة الاقتباس تستدعي الحديث عن الجرذان والرجل الذي صار كلبا ، فإن الأمانة للواقع هي مسؤولية أكبر(!) ، وقد كان مسرح دريد لحام أكثر فرادة في هذا النوع من التعاطي مع الواقع.
ماذا فعل (المخرج المسرحي) أيمن زيدان في تشكيلاته الفنية لخشبة مسرح الحمراء على صعيد ترتيب العناصر التي يحتاجها الإيقاع المسرحي، وتحريكها بحيث تضع المشاهد أمام فرجة مسرحية مميزة ؟
عدد قليل من الممثلين قاموا بتجسيد عدد كبير من الشخصيات، من خلال فكرة مبتكرة هي فكرة المسرح الجوال على أرضية أن يأتي الشارع إلى المسرح بدلا من أن يذهب المسرح إلى الشارع (نتذكر هنا تجربة الفنان أيمن زيدان القديمة في المسرح الجوال) .
واستخدم أيمن زيدان الأقنعة، والدمى، والإضاءة مع اكسسوارت مدروسة يمكن تحريكها ببساطة ، فإذا نحن أمام عرض أخاذ يتحك فيه الممثلون بمهارة واضحة، وكان يمكن أن يكون هذا العرض نقطة تحول كبير في المسرح السوري لو بني على نص سوري، يبنيه الماهر محمود الجعفوري نفسه الذي سعى بصدق لأن لاتكون الأرجنتين وجنوب أفريقيا على الخشبة بل نحن ، لكن قصتنا نحن هي أكثر وجعا من تلك الحكايات !
الممثلون تعبوا، ورغم الأقنعة عرفناهم من أدائهم ومن أصواتهم، وكان أداؤهم بسوية الطموح الذي يريده المخرج ، كما أحسسناه ، وتجربتهم على كل حال، ونقصد تجربة كل من : قصي قدسية، مازن عباس، حازم زيدان، خوشناف ظاظا، لمى بدّور تؤهلهم لذلك ..