مضى زمن طويل على تلك الرحلة الشاقة إلى كفر جنة، وهي قرية سورية جميلة يليق بها هذا الاسم، وتقع في شمال مدينة حلب السورية عند الحدود التركية، وكان مشروعي ينحصر بتصوير سيناريو لفيلم تسجيلي قديم كنت كتبته عن شلالات ميدانكي التي تقع في أحد الوديان في تلك المنطقة، وتتساقط مياهها على نحو عجائبي يجعل الرحلات إليها كثيرة وممتعة فيتوزع الناس عندها في رحلات جماعية فيسبحون ويضحكون ويغنون ..
كانت المفاجأة غريبة، ويحسب علي هذا الخطأ في التقدير والمعلومات المتعلقة بالفيلم، ولم تكن مصادر المعلومات متوفرة كما هي اليوم عبر الشبكة العنكبوتية، فما أن وصلنا إلى ميدانكي وسألنا عن الشلالات حتى استغرب سكان المنطقة، وأخبرونا أن السد غمر تلك الشلالات منذ عدة سنوات، وأصبحت مجرد ذكرى مدفونة تحت حجم هائل من المياه المحتجزة خلف السد.
وكان فريق العمل يترقب دهشتي بسخرية فقد أخبرتهم أن طموحي أن ننجز فيلما جميلا عن تلك الشلالات ، ثم أخذوا يضحكون ، فهل قطعنا كل تلك المسافة من دمشق إلى ميدانكي، من أجل شلالات غير موجودة وأنت لاتعرف عما إذا كانت قد أصبحت ذكرى من الماضي؟
لا أخفي أنني وقعت في حرج كبير، وكان علي أن أتصرف، فكيف حصل هذا معي، وهو طموحي منذ سنوات ، وكيف لم أعرف أن السد سيغطي كل تلك المنطقة ، فتغمر مياهه مشروعي الذي كتبت له سيناريو مفصلاً .
على أحد ضفاف السد، كان هناك كوخ من القش بناه صاحبه للمتنزهين، وكان يجلس وحيدا عند الظهر فلا زوار يأتون إليه في هذا الوقت الحار، سألته عما اذا إذا بإمكانه إعداد إبريق من الشاي لطاقم العمل، فرحب بطلبي وشرع يعد الشاي، فيما جلس زملائي على مقاعد خشبية صنعها صاحب الكوخ، أما أنا فنأيت عنهم ، أرقب وجه المياه الشاسعة الممتدة أمامي وأفكر بهزيمتي غير المتوقعة..
على مقربة من المكان الذي رحت إليه، وجدت بقايا الطريق القديم الذي ينزل إلى أسفل الوادي حيث تقع الشلالات العتيدة، فجلست وأنا أحلم أنني أنزل في هذا الطريق لأرى الشلالات وأصورها فأخرج من حرج لم يكن حصل معي من قبل !
وجاءتني الفكرة، طلبت من السائق الذي يرافقنا أن نذهب إلى القرية ، وهناك سألت المارة عما إذا كأن أحد منهم يمتلك صورا للشلال القديم، فأجابوني بتلقائية إن مصورا على ناصية الشارع لديه مئات الصور ، وذهبت إليه فأعطاني ما أريد.
عدت إلى زملائي وأخبرتهم أن السيناريو جاهز وأنا جاهز للتصوير، فنهضوا بعد شرب الشاي وبدأنا نصور، أنجزنا فيلما وثائقيا بغاية الروعة لكني غيّرت عنوان الفيلم، فأصبح اسمه غرق شلالات ميدانكي !
بوابة الشرق الأوسط الجديدة