حكاية عشق مزمنة

 

جميع المواطنين العرب يزايدون على بعضهم بعضا بحرصهم على نظافة البيئة، لكنهم لا يتخلون أبدا عن صداقتهم اليومية المزمنة مع الكيس البلاستيكي الأسود، كاتم أسرار ضعاف الحال من أصحاب القدرات الشرائية المتواضعة، والمتستر، خاصة، على مقتني الخمور من مستعملي وسائل النقل العام في الأوساط الشعبية التي لا تمل من التلصص على بعضها بعضا.

حمّى الأسعار النارية في البلاد العربية لم تطل الأكياس البلاستيكية السوداء، ولم تستطع حملات التوعية البيئية إيقاف تصنيعها وبيعها، فبأرخص ما يمكن من القطع المعدنية، يمكن لك أن تقتني هذا الأكسسوار الرهيب الذي يرافق غالبية الفقراء ومتوسطي الدخل في نشاطهم اليومي، تودعه مقتنياتك و أشياءك الحميمية ثم تمضي في الزحام واثق الخطوة، ومطمئن على سلامة ” بياناتك الشخصية “.

الأكياس السوداء تحرس أسرارك في أسواق الفقراء من خضار ذابلة وملابس مستعملة، وتبوغ رديئة وخمور رخيصة.

الأكياس السوداء لا تباع في المتاجر الراقية، لكنها قد تنتظرك في أيادي أطفال يبيعونها على قارعة الطريق لتحميك من نظرات المتلصصين والفضوليين، وتوصلك إلى البيت آمنا من كل شبهة.

عذرا يا حماة البيئة، لا يمكن أن نتخيل حياتنا ـ نحن معشر الخجولين ـ دون أكياس تشبه في لونها، وتطايرها في السماء، مصائرنا وأحلامنا في تعلقها بالأسلاك والأشواك.

الأكياس السوداء التي كانت تحوي ما تيسر من مقتنياتنا صبيحة أمس، هي نفسها، التي تحفظ قمامتنا مساء هذا اليوم..  ولا يعلم بأسرارها غير القطط، عمال البلدية، والباحثون في محتوياتها عن أرزاقهم.

الأغنياء لا يحبون الأكياس السوداء ولا يستعملونها إلا فيما ندر، لا لوعي بيئي متطور، بل لعدم الحاجة إليها من أساسها، ذلك أن أكياسهم العريضة الفخمة التي تحمل أسماء علامات تجارية شهيرة، كفيلة بالسخرية من كل أكياس الأرض السوداء وأصحابها، وهي تُصفّ في صناديق السيارات الفارهة  وعلى كراسيها الخلفية.

ثمة فقراء ماكرون بدورهم، فهم يتخلون عن أكياسهم السوداء ويستبدلونها بأخرى شفافة لمجرد تبدل حالهم نحو الأفضل، وذلك بغية التفاخر والإغاظة، وحتى الاحتيال وادعاء الوجاهة.

وثمة أغنياء يصطنعون التواضع ويخفون مقتنياتهم ومشترياتهم خلف أكياس سوداء، اتقاء من كل حاسد إذا حسد، وكذلك تمويها وتجنبا للصوص وقطاع الطرق كما هو الحال لدى ساحبي ومحولي المبالغ المالية الضخمة في البنوك.

تعلق العرب بالأكياس السوداء أمر شديد التعقيد والالتباس في مجتمعات تخشى أن تكون بلا أسرار، ويريد أفرادها أن يعرفوا عن بعضهم كل شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى