كاليفورنيا– في مهرجان “الوردة تتفتح ” الذي أقيم في العشرين من تشرين الثاني 2024 لتوقيع ستة أعمال لأبرز الكتاب على الساحة الثقافية السورية وهم محمد الحفري – محمد الطاهر-عماد نداف – مقبل الميلع – فاتن ديركي – والشاعر نضال بغدادي.
أضاء الأديب الإعلامي عماد نداف منصة السرد بروايته الجديدة “حكمة البوم والببغاء كاسكو“ الرواية التي تستحق الوقوف عندها طويلا حيث تنتمي الى أدب السجون والمخابرات لكنها تتجاوز التصنيف التقليدي، إذ تأخذ شكل ملحمة سردية يصعب اختزالها في سطور قليلة، فكيف يمكن تلخيص سنوات من الألم والقهر والمعاناة داخل الزنازين؟
كيف نوجز مشاهد الإهانة والتعذيب في دهاليز مظلمة تلتف كغابة صنوبر كثيفة لا يمكن اجتيازها إلا بسراج ومعول ينير الطريق ويهدم جدران الصمت.
الرواية تفيض بسرد انسيابي متين يحكمه أسلوب درامي مشوق نكتشف من خلاله سحر التحولات والمنعطفات، وتتجلى البطولة في العمل كعمل جماعي، حيث تسهم جميع الشخصيات في تشكيل نسيج الحكاية بما فيها البوم والببغاء “كاسكو” بل حتى نباتات الحديقة التي يتباهى بها مدير السجن “المقدم البوم” والتي منحها الكاتب صوتا في عالم يفتقر الى العدالة.
تدور أحداث الرواية في زمن الوحدة بين مصر وسورية وتسلط الضوء على القمع والتعذيب الممنهج في السجون بصورة رمزية تختزل أنظمة القهر عبر التاريخ والجغرافيا وهذه الرمزية كانت كفيلة بجذب القارئ وإثارة فضوله لمواصلة اكتشاف المجهول خلف الجدران.
ولم تغب الصبغة الرومانسية عن الرواية فقد تجلت في علاقة ” السجين الفلسطيني محمود الكهربائي ” بالسجينة “يافا” في لحظة خاطفة حين شاهدها عارية أثناء استحمامها – مشهد عاطفي يعكس هشاشة الإنسان وسط القسوة المطلقة.
عماد نداف لا يكتب من الخيال فحسب، بل من التجربة، يظهر ذلك جليا في التفاصيل التي لا يكتبها إلا من عاشها، لقد جعلنا نلهث خلف أحداث الرواية بين قرارات تجويع السجناء وعملهم في الحديقة ومحاولات تدجينهم بإجبارهم على ترديد التحية الى المقدم كما يفعل الببغاء ب” صباح الخير سيدي” وكأنها طقوس إذلال يومية تُختصر بها فلسفة الطغيان.
أما عنوان الرواية “حكمة البوم” تتجلى دلالاته منذ البداية، حيث يحلم الشيخ نواف بإطلاق سراح البوم من القفص مقابل حكمة ترتبط بالقوة والعدالة فيسمي ابنه “البوم” الذي يجتهد ويكافح ليبلغ مرتبة عالية يطلق فيها سراح المساجين عند الانفصال – في إشارة الى نوع من العدالة التي تتفتح حتى في أكثر الأماكن قسوة.
حكمة البوم والببغاء “كاسكو ” رواية جميلة شائكة وجريئة أغنت المكتبة العربية وهي تضيء زوايا معتمة في ذاكرة السجون في زمن ندرت فيه الجرأة وكثر فيه الصمت، وهي تعد شهادة أدبية توثق مرحلة لا ينبغي أن ُتنسى إن مرّ الزمان وغاب الشهود، يبقى الأدب الرفيع ذاكرة حيّة وأداة تذكير قوية، أنصح الجميع بقراءتها لا للاستمتاع فحسب، بل للتفكر والتذكر.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
