حكومة المهندس عماد خميس: ثلاثية الإعلام والثقافة والرسالة السياسية!
الكتابة عن الحكومة السورية الجديدة أثارت الاهتمام تلقائيا بالتغييرات التي طرأت على تكوين الحكومة السابقة (حكومة الدكتور وائل الحلقي) وخاصة ما يتعلق بالفريق الاقتصادي، إلا أن ما ينبغي الانتباه إليه في القراءة المتأنية للتشكيلة الجديدة هو القصد من تثبيت مقاعد الوزارات السيادية في الحكومة مع بعض الوزراء الآخرين، وهنا تبرز إلى الصدارة مباشرة موضوعات الحرب والأمن الداخلي والسياسة السورية الخارجية، وبهذا المعنى تبعث الحكومة السورية الجديدة برسالة واضحة وفي مضمونها معادلة سهلة الاستيعاب تقوم على ثبات الاستراتيجية السورية كمنهج لتفسير ما يجري اقليميا ودوليا والاستمرار في التعاطي مع الثوابت الأساسية المتعلقة بالتحالفات وموضوع الارهاب والحوار الوطني.
ينعكس ثبات الاستراتيجية السورية هذا على طريقة التعاطي مع المستجدات السياسية والعسكرية والأمنية من أي جهة جاءت، فلاتغييرقريب، ولايوجد أي رد فعل متسرع، على ماقيل إنها رسائل دولية وإقليمية تبدأ من تغيرات الموقف التركي أو السعودي، أو ليونة في الموقف الأمريكي، وتنتهي بجزئيات حول ما تم تسريبه من تعاون أمني مع بعض دول العالم .
هذا يعني أن الأولويات السورية ستبقى: ضمن معادلة متماسكة تتعلق بمحاربة الارهاب والدعوة إلى التعاون على هذا الصعيد، والإصرار على الموقف المتعلق بحوار جنيف حيث لاحكومة انتقالية وإنما حكومة وحدة وطنية وشق الطريق بتسارع جديد أو متجدد على صعيدين عسكري على جبهات القتال، ومدني على صعيد المصالحة الوطنية.
وعلى صعيد التحالفات الداخلية ظل ائتلاف الجبهة الوطنية المؤشر الوحيد للتعامل مع القوى السياسية وتلاوينها، ففي الوزارة أسماء شيوعية وقومية اجتماعية وناصرية (اتحاد اشتراكي)، وسقطت الأفكار المتسرعة التي سربت قبل التشكيلة والمتعلقة بإقحام وزراء من خارج هذا الائتلاف حتى لو كانوا من المعارضة الداخلية أو من أي منصة من منصات المعارضة .
ومع هذه المؤشرات تطرح الأسئلة بفضول حول الأسباب التي دعت لتغيير وزيري الإعلام والثقافة، فكما ظهر في التشكيلة تمت تسمية المهندس محمد رامز ترجمان وزيراً للإعلام خلفاً للوزير عمران الزعبي. إن تغيير وزير الإعلام لايمكن أن يقرأ إلا على صعيد التصور القادم للأداء الإعلامي، فهو على الأٌقل محمول على كل تفرعات الحرب في سورية، فالإعلام مرتبط حكما بالجانب العسكري وكذلك الأمني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، أي هو وسيط بين أهداف هذه الجوانب مجتمعة، فإلى أي حد تبدو الحكومة الجديدة في صدد دفع الإعلام وإقحامه في مجموع المعادلات القائمة، علما أن آليات عمل وتمويلات ضخمة موظفة في الاعلام الاقليمي تعمل ليل نهار على استهداف الرأي العام السوري بكل توجهاته!
إن تسمية المهندس محمد رامز ترجمان والتعرف على سيرته الذاتية تفيدنا بجانب مهم هو ((إعادة الهيكلة))، والإعلام فعلا بحاجة إلى تحديث أدواته والسعي لبناء هذه الأدوات على أساس التطورات الحاصلة في البث والتصوير والمونتاج وصناعة البرامج والدراما والطباعة ناهيك عن الدخول في أجواء وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت تلقائيا إلى بديل عن إعلام عجوز أنهكته الحرب.
ورغم أن وزارة الإعلام شهدت توسعا في فترة الوزير الزعبي ( قناة تلاقي ، إذاعة سوريانا، مديرية الاعلام الألكتروني، مديرية المراسلين..) إلا أن هذه الخطوات لم تستثمر، وإن نجح بعضها..
وهنا وبصراحة، لابد من القول إن السوريين يطرحون سؤالا فجا يتعلق بالأداء الإعلامي نفسه، وضرورة الانتقال به إلى إعلام قادر على المنافسة والتواجد على الأرض والتعاطي مع مختلف وجهات النظر المتعلقة بالأزمة السورية (الداخل هنا غير معزول عن الخارج). بل إن أصواتا جديدة راحت ترتفع في الآونة الأخيرة تتخوف على صناعة الدراما السورية نفسها وتتهم رؤوس أموال عربية بسرقة نجومها وموضوعاتها وأسرار نجاحها!
كان الاعلام عرضة للانتقاد من جهات كثيرة، وخاصة أن المعارضة الموجودة في الداخل لم تر نفسها في هذا الإعلام إلا من خلال استضافات فقيرة مجتزأة لم تتمكن من كسر الحواجز بين الاتجاهات السياسية الوطنية فتنظم اختلافاتها، وكانت قناة ((تلاقي)) التي أنشئت أصلا وفي هويتها سماع صوت المعارضة على اختلاف أطيافها، وسريعا تهادت خطواتها، وكأن شيئا ما جعلها تتردد وذهبت نحو المنهجية التي تعيشها القنوات الأخرى، رغم حماسة إدارتها للميثاق الأول الذي حدد هويتها ووافق عليه الوزير الزعبي بقلمه الأخضر، وشجع على كل خطوة ممكنة للتحديث!
وعلى صعيد الصحافة الورقية راوح أداؤها وتراجعت إمكاناتها نتيجة الوضع الاقتصادي في البلاد، بل إن صحافة الأحزاب المشركة في الجبهة تواجه أزمة راهنة نتيجة تراجع دعم الدولة لها، والشفافية الموجودة في الصحافة الورقية لم تتسع لأن الهامش كان موجودا أصلا لكن ضمن حوامل محددة، وإذا كانت صحيفتا البعث وتشرين هما اللتان ستتابعان المسيرة في هذه الظروف، فإنها بحاجة بدورها إلى توسيع دائرة الاهتمام والدعم لها على عكس ماحصل في السنوات السابقة.
أما وزارة الثقافة، التي أطلق عليها الفنان السوري فايز قزق وصف ((وزارة الدفاع الثقافي))، وهو يوجه انتقادا شديدا لها في أحد منتديات المجتمع المدني قبل أسابيع، والتي نزل عن مقعدها الشاعر عصام خليل، وجلس عليه الناقد السينمائي محمد الأحمد، فهي أمام استحقاق خطير وعلى غاية الأهمية يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه في تجديد النسيج الوطني وبناء العلاقة الصحيحة بين المثقف السوري والمواطن، والمثقف والسلطة، والمثقف والمؤسسات، وذلك ليس من باب رفع سوية المواطن الثقافية، وإنما من باب مواجهة التشتت في القيم الوطنية والاجتماعية والحضارية الذي سببته الحرب ، وبهذا المعنى تبدو الوزارة مسؤولة عن إقامة مؤتمر ثقافي وطني يحشد لصون العقد الاجتماعي الوطني السوري الذي ينبغي أن لايهتز رغم الحرب، والذي استهدفته كل السنوات التي مرت من عمرها..
وتتداخل هنا مهمات وزارة الثقافة مع مهمات اتحاد الكتاب العرب الذي وضع مؤخرا استراتيجية جديدة لدورته التاسعة تحت شعار ثقافة التنوير وأقر جائزة الرواية العربية وحقق نشاطا مهما على صعيد كسر الحواجز العربية أمام الاتحاد ، وكما نعرف فإن الدكتور نضال الصالح رئيس الاتحاد كان معاونا لوزير الثقافة ، وبالتالي يمكن للتعاون أن يكون أكثر إمكانية وفرصة للنجاح ..
وكما نعلم ، فقد ارتبط اسم وزارة الثقافة منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالإرشاد القومي، أي كانت تحمل هوية واضحة، وكانت أبرز الشخصيات الثقافية تعمل من خلالها ، ثم راحت تنأى عنها شيئا فشيئا إلى درجة القطيعة، وذلك يحتاج إلى بحث طويل يدخل في صلب مؤسساتها (الكتاب، السينما، المسرح، المراكز الثقافية)، وكلها معطلة ويائسة !
هل ستؤخذ هذه الاشارات بعين الاعتبار؟
ذلك من مهمات الوزارة الجديدة التي يفترض أن تقدم برنامج عملها الواضح إلى مجلس الشعب خلال فترة محددة تلي أداء القسم أمام رئيس الجمهورية.