حلب.. “بيضة القبّان”

صمدت «عين العرب» كوباني، ولم تحتلّها «داعش». قاوم مقاتلوها كرداً وعرباً بشراسة حتّى قبل ضربات ما يسمّى «التحالف»، وما زالوا. كان ذلك أوّل انكسار حقيقي لـ”عين” «داعش»، وأيضاً أوّل بادرة لمواجهة مشتركة ضدّه لطرفين ما كان لهما أن يلتقيا قبلها. الشجاعة العسكريّة في القتال قابلتها شجاعة سياسيّة في موقف الطرفين.

في المقابل، انفرط العقد بين «جبهة النصرة» وأغلبيّة المعارضة المسلّحة، لتنفتح صفحة جديدة في الصراع في سوريا لم تتضّح معالمها النهائيّة بعد. إذ لا يُعقَل أن ينتهي ما انطلق من أجل الحريّة بصراعٍ بين ثلاثيّة السلطة و«داعش» و«النصرة». هذا الانعطاف خلق تحديات جديدة للأطراف كلها. السلطة القائمة، إذا استمرّت في نهجها الحالي، لن يظلّ لها من تتصارع أو تتفاوض معه سوريّاً سوى «جبهة النصرة». والنصرة ستواجه الخيار بين اندماجها في «داعش» أو التخلّي عن تنظيم “القاعدة”، وسيكون هذا امتحانا لمدى سوريّتها. والمعارضة السوريّة المسمّاة “معتدلة” بشقيّها السياسي والمقاتل، باتت أمام استحقاقٍ لطالما تهرّبت منه، أن تكون جامعة لأطيافها كلها، وأن تكون منظّمة، بمعنى أن يكون قرارها بيدها وأن تجرؤ على نبذ ما يخرجّ عمّا يُفترض أنّها أسّست من أجله، ليس فقط لناحية الخطاب، بل أساساً في الممارسة على الأرض.

في ظلّ هذا كلّه تنطلق الأصوات دوليّاً مناديةً بإنقاذ حلب.

بدأ الأمر بحملة لحاملي جائزة نوبل انضووا ضمن مبادرة من الفاتيكان، تلاهم المبعوث الدوليّ دي ميستورا، ومن ثمّ فرنسا وتركيا. الأوّلون يطالبون بتجميد الصراع في حلب، والآخرون بتدخّل التحالف الدوليّ عسكريّاً في معركة المدينة. ولكن هل يتحدّث هؤلاء وأولئك عن الشيء ذاته؟

لم تنخرط حلب المدينة باكراً في الانتفاضة السوريّة. حتّى أنّ انخراطها في “الثورة” بشكلٍ واسع أتى تحديداً عندما تحوّلت “الثورة” إلى حرب. هكذا فُتِحَت معركة حلب في صيف 2012 كي “تتحرّر” مناطق كثيرة في ريفها، ومن ثمّ تنتقل الحرب إلى قلبها، لتنقسم المدينة بعد ذلك إلى شطرين. منذ ذلك الوقت تُمطر حوّامات الجيش السوري الأحياء الشرقيّة بالبراميل المتفجّرة وتقصف المعارضة الأحياء الغربيّة، في حين يبقى شريان حياة صغير يربط الشطرين عبر معابر “يصطاد” عليها القنّاصون ضحاياهم.

أنقذوا حلب، فعلاًَ! فـ«داعش» على تخومها الشرقيّة وتتقدّم في شمالها. وولاية حلب الداعشيّة التي تتمركز في الباب ومنبج، تفرض إدارتها، حتّى أنّها طالبت الفلاّحين بالشروع بالبذار. هذه الإدارة التي تعرف نوعاً من الفعاليّة تجذب الناس البسطاء في زمن الفوضى التي تعيثه السلطة والمعارضة على السواء.

فهل إنقاذ حلب هو مواجهة «داعش» أم الانخراط في الحرب بين السلطة والمعارضة، عبر القصف الجويّ، كي تنتصر في النهاية.. «داعش»؟

الاقتراح الذي أطلق لتجميد الصراع في حلب له مزاياه. فقد يشكّل إذا ما بُدئ التفاوض حوله منعطفاً جديداً للخروج من آليّة التردّي المستمرّة. الأساس هو أن يتوّقف قصف المدنيين، والبداية بمبادرة من السلطة للتوقّف عن القصف بالبراميل، التي لا تفيد إلاّ في دفع الناس نحو اليأس.. أي نحو «داعش». كما أنّ آليّة التفاوض بين حلب الشرقيّة والغربيّة حول ترتيبات ضمان أمن الأهالي على الطرفين، وحريّة انتقال الناس وإطلاق سراح المعتقلين، وكذلك انتقال الغذاء والاحتياجات لكسر اقتصاد الحرب، ستُبرِز من له الشجاعة السياسيّة الحقيقيّة، الأكثر أهميّة من شجاعة القتال. وهذا يتطلّب ضغطاً دوليّاً على الأطراف التي ما زالت لها مصلحة في استمرار الصراع.

لن ينتهي الصراع إذا ما جمّد في حلب، وحلب كما عين العرب – كوباني، ليست أهمّ من حمص ودير الزور ودرعا وغيرها. لكن هناك انعطافات في الصراع في سوريا وعليها، يُمكن أن تأخذ، بحسب المسارات التي تتبعها، نحو الأفضل أو.. نحو الأسوأ.

أنقذوا حلب وإلاّ..

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى