حلف “الناتو العربي” السني “يتبلور” بسرعة وتدشينه اول العام الجديد
يبدو ان حلف “الناتو” العربي الأمريكي الذي كشف الرئيس دونالد ترامب عن عزمه اقامته، ويضم دول الخليج العربي الست، الى جانب مصر والأردن، للتصدي لإيران والدفاع عن مصالح بلاده في الشرق الأوسط، وذلك في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ثلاثة أيام، بدأ يتبلور عمليا، وينتقل من خانة المقترحات والأفكار، الى ميدان التطبيق العملي، سواء في منطقة الخليج او الولايات المتحدة نفسها صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية التي تصدر في أبو ظبي باللغة الإنكليزية، ويعتقد انها مقربة جدا من الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد امارة أبو ظبي، كشفت يوم الخميس ان تيم ليندر كينغ، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج، امضى الأسابيع الثلاثة الماضية للتمهيد لوضع أسس هذا الحلف الاستراتيجي الجديد، والتحضير لقمة تضم الدول الثماني المذكورة آنفا في واشنطن مطلع العام الميلادي الجديد لانطلاقه رسميا.
المستر ليندر كينغ اكد ان رئيسه مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، سيجتمع اليوم الجمعة على هامش اجتماعات الجمعية العامة بنظرائه وزراء خارجية الدول الثماني لوضعهم في أجواء التحضيرات لهذه المنظومة الأمنية، الجديدة، وقد حصل الاجتماع اليوم في نيويورك فعلا، وشدد بومبيو لوزراء خارجية الدول الثماني على ضرورة “الحاق الهزيمة بتنظيم “الدولة الإسلامية” او “داعش” و”القاعدة”، والجماعات الإرهابية الأخرى، وإرساء السلام والاستقرار في سورية”، وأعلنت وزارة الخارجية “ان جميع المشاركين في اللقاء كانوا متفقين على ضرورة مواجهة التهديدات التي تمثلها ايران ضد المنطقة والولايات المتحدة”.
العاصمة السعودية الرياض التي تبلورت فكرة هذا “الناتو العربي” في دهاليز قمتها الإسلامية التي تزعمها الرئيس ترامب في زيارته الخارجية الأولى بعد فوزه في أيار (مايو) عام 2017، قد تكون المقر الرسمي لهذه المنظومة الجديدة التي ستحمل اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، او “MESSA” باللغة الإنكليزية، على غرار “NATO”.
هناك عدة ملاحظات نجد لزاما علينا طرحها حول هذه المنظومة، وفرص نجاحها، والاخطار التي يمكن ان تترتب على قيامها رسميا في الأشهر المقبلة:
ـ أولا: ان هذه المنظمة تأتي لإحداث انقسامات جغرافية وعرقية وطائفية في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي، فعلى الصعيد الجغرافي ستفصل المشرق العربي عن المغرب العربي او شمال افريقيا، وهذا ما يفسر عدم ضم المغرب الملكي الأمريكي الهوى والمعادي لإيران عن هذا التحالف، وكذلك سيضع الدول الثمانية السنية في مواجهة الدول التي تشكل محور المقاومة بزعامة ايران، ومحاولة إضفاء الوصفة الطائفية الشيعية على هذا المحور، ونحن نتحدث هنا عن اليمن وسورية والعراق ولبنان الى جانب ايران أيضا، اما دول مثل السودان والصومال وجيبوتي فلها الله.
ـ ثانيا: مواقف هذه الدول الثمانية غير متجانسة (حتى الآن) حول العديد من القضايا مثل اليمن والازمة الخليجية التي تتمحور حول الخلاف القطري مع اربع من دول التحالف الجديد (السعودية، الامارات، البحرين، مصر)، وكذلك حول “الخطر الإيراني”.
نشرح اكثر ونقول ان ثلاث من دول مجلس التعاون، وهي الكويت وقطر وسلطنة عمان، لا ترى في ايران خطرا يهددها، وكان لافتا انها سارعت الى ادانة العملية “الإرهابية” التي استهدفت العرض العسكري في مدينة الاهواز جنوب غرب ايران، وهو الهجوم الذي رحبت به الدول الثلاث الأخرى علانية، بشكل مباشر او عبر تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، والشيء نفسه يقال عن الحرب في اليمن، والتباين الواضح في المواقف التي تعكس انقساما رأسيا.
ـ ثالثا: من الواضح ان العداء لإيران، وحماية المصالح الامريكية في المنطقة، بما في ذلك تخفيض أسعار النفط، هما اللحمة الأساسية لهذه المنظومة الجديدة، فهل هذه اللحمة كافية لترسيخ هذه المنظومة، وبالتالي استمرارها.
ـ رابعا: اين مكان إسرائيل في هذه المنظومة، ومواقف الدول الأعضاء العربية تجاهها، فهل أخرجت هذه الدول نفسها من الصراع العربي الإسرائيلي بشكل نهائي، وهل ستكون إسرائيل العضو الخفي او المسكوت عنه، ومتى ستخرج الى العلانية.
ـ خامسا: كيف سيكون موقف دول عظمى مثل روسيا والصين من هذا التحالف الاستراتيجي، وأيضا مواقف دول إقليمية رئيسية أخرى في منطقة الشرق الأوسط مثل تركيا والباكستان اللتين تسير علاقاتهما مع الرئيس ترامب وادارته وبسرعة نحو التوتر، ان لم تكن في ذروته؟
المؤلم ان النخب، وما تبقى من النخب العربية الفاعلة، مغيبة كليا عن هذا التحالف الخطير الذي يطل برأسه بقوة، ويذكرنا بحلف بغداد السيء الذكر، حلف بغداد وجد من يتصدى له بقوة ويعمل على افشاله من خلال تعبئة جماهيرية وطنية سياسية وإعلامية قوية، لكن الحلف الجديد يواجه بالدعم واعمال التسويق النشطة من ناحية، والصمت او اللامبالاة من الناحية الأخرى.
أمريكا تضغط على ايران من اجل تحقيق هدفين، الأول هو الوصول الى الحوار والتوصل الى تسوية، والثاني تغيير النظام، اذا تعذر تحقيق الهدف الأول، والسؤال اين سيكون أعضاء حلف “الناتو” العربي في الحالين، فأي تسوية أمريكية إيرانية مستقبلية ستأتي على حسابهم، واي حرب نتيجة فشل هذه التسوية سيكونون وشعبوهم وثرواتهم وقودها.
سؤال أخير نوجهه الى الأردن ونقول ما هي الفائدة التي ستعود اليه من جراء الانضمام الى هذا الحلف، وهو الذي اكتوى من نار التهميش ونكران الجميل من “أصدقائه” في مجلس التعاون الخليجي الذين أوقفوا عنه جميع المساعدات المالية، ووضعوه في موقف صدامي مع شعبه الذي لجأ اليه بالضرائب لتعويض هذا العقوق الخليجي.
هل سيقدم الأردن وجيشه وارضه وامنه واستقراره، وربما بقاءه ككيان مجانا في اطار انضمامه لهذا الحلف الجديد، وما يمكن ان يترتب على هذه العضوية من التزامات امنية وعسكرية ودون عوائد مالية واقتصادية؟
انها منظومة امنية عسكرية خطيرة جدا ستكون نتائجها مدمرة على منطقتنا وشعوبنا، وجرى اختيار مرحلة الضعف وشبه الانهيار التي تعيشها امتنا لتمريرها، والتعاطي مع 400 مليون عربي وكأنهم كم مهمل، ولا نريد قول ما هو اكثر من ذلك.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية