
خاص
في المكان نفسه الذي كانت تصطدم فيه كل المشاريع الإعلامية والفنية الحضارية، أي في قصر الشعب بدمشق، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام وشركة المها الدولية، لإنشاء مدينة “بوابة دمشق” للإنتاج الإعلامي والفني والسياحي في سورية.
معنى القرار وتوقيته يفتح على تاريخ الفكرة/المشروع الذي لم يغب أبدا عن صناعة الدراما التلفزيونية السورية، لأن ثمة علاقة وطيدة في هذا المشروع بين الإعلام والدراما والسينما ، وحتى الثقافة في جوانبها الأخرى .
وجود الرئيس أحمد الشرع في رعاية التوقيع يأخذ بعداً آخر في فهم مستقبل البلاد وهويته الثقافية والفنية، فلايمكن في هذه الحالة التخوف من أي استكانة تقع فيها الدولة أمام أي منجز حضاري، فالاستثمار مصان بالقانون والأمان، والإنتاج مصان بالحرية والمسؤولية، وخاصة أن المدينة في حجم استثمارها ومهمامها وآمالها تحتاج إلى تأطير قانوني وتسهيلات على مختلف المستويات حتى الرقابية منها.
والفكرة كانت قائمة في أذهان صانعي الدراما السورية ومبدعيها منذ زمن طويل، وكان المخرج الكبير هيثم حقي يحلم بإنجازها ويتحدث عنها في جلساته، وكان محقاً في طموحاته وهو صاحب أكبر الأعمال الرائدة في الدراما السورية في مرحلة نهوض الدراما .
وقد حاول المخرج الراحل حاتم علي نقل الحلم إلى واقع بمشروع متكامل، فالفكرة في ذهنه كانت تهدف إلى تطوير البنية التحتية للفن السوري وتوفير بيئة متكاملة لإنتاج الأعمال الفنية، وقد أهلته منجزاته الكبرى من التغريبة الفلسطينية إلى الزير سالم إلى غيرها من الأعمال إلى رسم ملامح هذا الحلم .
وبين الخوف من الإعلام القوي والمنفتح وبين تأمين بيئة صحية للإنتاج الدرامي كان يخيف أصحاب القرار في نظام بشار الأسد أي اتجاه جدي قد يخرج عن السيطرة، أو فإن الصيغة المثلى لإطلاقها، كما كانوا يعتقدون قبل السقوط، هي في الشراكة والهيمنة عليها، وهذا ماكان يخيف المستثمرين ويعيق أي مشروع جدي .
وأعتقد أن تواجد الفنانين السوريين المعارضين في الخليج العربي والسعي لخلق تشاركية حية وفعالة مع الفن الخليجي ورأسماله أوجد أرضية واسعة لانطلاقة هذا المشروع ، ومن هنا لم يعد من المبرر الحديث عن هجرة الفنان السوري، ولم يعد من المفيد الحديث عن خوف المال السوري من الاستثمار في مجالي الثقافة والفن .
إن توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام وشركة المها الدولية للإنتاج الفني والدعاية والإعلان، يتعلق ب “بوابة دمشق” كأول مدينة متكاملة للإنتاج الإعلامي والسينمائي والسياحي في سوريا، وبتكلفة تقدر بمليار ونصف المليار دولار أمريكي هو خطوة مبشرة لمستقبل جديد للثقافة والفن في سورية، وهذا يعني أن المستثمر محمد العنزي حمل العبء بجرأة وشجاعة ومسؤولية تدفعنا إلى شكره لتحقيق أحلام الثقافة السورية وفنها وفنانيها.
وبالتأكيد سيخرج كل منتج عن هذا المشروع الكبير عن الابتذال والتفاهة وستكون رسائله المجتمعية واضحة وبناءة في ضوء الحرية المسؤولة والواعية التي يجري الحديث عن تجسيدها في البلاد.
ولابد هنا من الحديث عن التفاصيل المعلنة عن المدينة، فالمشروع كما جاء في الخبر الرسمي، سيقام على مساحة تقارب 2 مليون متر مربع ضمن محافظتي دمشق وريفها، ويشمل في مكوناته استديوهات خارجية تحاكي طراز العمارة التاريخية للمدن العربية والإسلامية، واستديوهات داخلية مزودة بأحدث تقنيات البث والإنتاج، إضافة إلى مراكز تدريب وتأهيل ومرافق تشغيلية ومنشآت سياحية وترفيهية متكاملة، ما يفتح لسورية أبواباً واسعة لتكون مركز جذب إقليمي لشركات الإنتاج الدولية.
ولندقق هنا في كلام وزير الإعلام السوري وهو يخاطب الرئيس الشرع : السيد الرئيس أعلنتم قبل فترة حربكم على الفقر، ووجهتم بوصلة الوزراء نحو المواطن، لذلك من أهم الأبعاد التي نعول عليها في مذكرة اليوم هو البعد الاقتصادي الاجتماعي المباشر من هذا المشروع، إذ من المتوقع أن يوفر أكثر من 4 آلاف فرصة عمل مباشرة، و9 آلاف فرصة عمل موسمية في مجالات متعددة، وهذه الفرص لا تعني تشغيلاً مؤقتاً فحسب، بل تعني بناء مسار مهني مستدام لآلاف الشباب السوريين، وتعني تعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر دمج فئات واسعة في سوق العمل، وفتح المجال أمام عشرات المهن المرتبطة بقطاع الإعلام والسياحة والخدمات.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر