حوار فنّـي بين فرناندو بوتيرو وبابلو بيكاسو

يحضر الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو على الساحة الفرنسية باستمرار، فبعدما ملأت منحوتاته الضخمة جادة الشانزيليزيه عام 1993، وأقيم له العام الماضي معرض استعادي كبير في متحف «فورث» الواقع بالقرب من مدينة ستراسبورغ في بلدة إرشتاين، ها هو اليوم «قصر كومون» العريق في مدينة إيكس آن بروفانس في الجنوب الفرنسي يعرض مجموعة كبيرة من أعماله التي تغطي مراحل مختلفة من تجربته الفنية التي فرضته كأحد أشهر الفنانين العالميين المعاصرين.

عنوان المعرض «بوتيرو محاوراً بيكاسو» ويضمّ نحو ستين عملاً فنياً لبوتيرو، من زيتيات، رسوم على ورق، ومنحوتات، مقابل أكثر من عشرين عملاً لبيكاسو. ويأخذنا المعرض في رحلة فنية بين التجربتين الكولومبية والإسبانية، ويجري مقابلة بينهما في تلاقيهما وتمايزهما. فهذان الفنانان على رغم مصادرهما ومرجعياتهما المختلفة ينتميان إلى مرجعيات مشتركة. وقد عمل منظمو المعرض على إبراز النقاط المشتركة ونقاط التباين من خلال أعمال توزعت وفق مواضيعها على صالات عدة وجاءت كالتالي: رسوم الوجوه في شكل عام ووجه الفنان في شكل خاص، الطبيعة الصامتة، العري، الفنان في مواجهة الأحداث السياسية الكبرى، مشاهد مصارعي الثيران، عالم السيرك والمهرجين، وأخيراً الموسيقى والرقص.

من الأعمال التي تجسد هذه المحاور عملان لبوتيرو يستوحيان من الفنان الإيطالي بييرو ديلا فرنشيسكا الذي عاش في القرن الخامس عشر، وعمل آخر يستوحي من الفنان رافاييل، أحد أشهر فناني عصر النهضة الإيطالية. وهناك لوحة لامرأة على الشاطئ مستوحاة مباشرة من أعمال بيكاسو.
يبيّن المعرض أيضاً أن الفنانين كانا معجبين بأعمال الفنان الإسباني فيلاثكيز الذي عاش في القرن السابع عشر، وكذلك بالفنان الفرنسي إينغر الذي كان من كبار ممثلي التيار الكلاسيكي في القرن التاسع عشر. وفي موازاة هذه الأعمال، تطالعنا نماذج من منحوتات بوتيرو ومنها منحوتة «الحصان» التي أنجزها عام 1999 والتي تطالعنا في حديقة «قصر كومون» قبل الدخول إلى قاعات المعرض.

على رغم مسعى المعرض إلى إظهار اللقاء الفني بين تجربتي بوتيرو وبيكاسو فإن ثمة تبايناً كبيراً بينهما يبقى بارزاً، ففي حين يتمسك بوتيرو من البداية إلى النهاية بأسلوب واحد وطريقة واحدة تعتمد على تضخيم الأجساد والوجوه وجعلها كتلاً مستديرة كبيرة تقترب أحياناً من الحس الساخر، فإن تجربة بيكاسو تظل آسرة في تنوعها وروعة أساليبها التي لا حدود لها وسحرها الأخاذ الذي لا يستنفد واقتناصها الدائم للمدهش واللامألوف.

إن انبهار بوتيرو بنتاج بيكاسو ظل محصوراً بالاستيحاء من أعماله والتعرف عليها في المتاحف وصالات العرض بخاصة منذ وصوله إلى باريس عام 1952. وعند لقائنا به مساء افتتاح المعرض أكد لنا أنه لم يتعرف عليه شخصياً ولم يلتقه قَطّ، وقد أحب نتاجه منذ نشأته في كولومبيا حتى لو لم يكن في تلك المرحلة من شبابه قادراً على «فهم نتاج المعلم الكبير»، على حد قوله. وتابع بوتيرو: «مع مرور الوقت صرت قادراً على الإمساك بمفاتيح هذه التجربة بكل أبعادها الثقافية والفكرية ما ساعدني في بلورة أسلوبي الخاص».

لا يزال بوتيرو «فتياً» على رغم تجاوزه الثمانين، حاضر الذهن، ومتابعاً بكثير من الانتباه مجريات الأحداث السياسية والفنية. وكان سبق له أن أنجز مجموعة من الرسوم تعبّر عن مأساة سجن أبوغريب في العراق في ظل الاحتلال الأميركي، والتي سألناه عنها فأجابنا بأنّ الكشف عما كان يحدث داخل هذا السجن شكّل له صدمة كبيرة ما دفعه إلى التعبير عن نفسه من خلال هذه الرسوم.

صحيفة الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى