حَربٌ كلاميّةٌ مُستَعِرة آوارها بين أردوغان ونِتنياهو هَل ستَتطوَّر إلى قَطعِ العِلاقات؟
الحَرب الكلاميّة المُتفَجِّرة حاليًّا بين الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نِتنياهو، تَعكِس بشَكلٍ واضِحٍ وصَريحٍ الأزَمَة التي يعيشها الأخير، أيّ نتنياهو، داخليًّا وخارجيًّا، ومُحاولاتِه اليائِسة تحويل الأنظار عَن المُلاحَقات القانونيّة بتُهَم الفَساد التي تُطارِده وتُضَيِّق الخِناق حول عُنقِه.
نِتنياهو اختَرع قضيّة أنفاق “حِزب الله” على الحُدود اللبنانيّة للغَرض نفسه، وأرسَل حفّاراته وسط تحشيد إعلامي غير مسبوق، وذهَب شاكِيًا إلى مجلس الأمن الدوليّ، وعندما فشِلَت كُل مُخطَّطاتِه في استِصدار قرار إدانة مِن المنظمة الدوليّة ضِد الحِزب نتيجة عَجزِه عن تقديم أيّ أدلّة، فتَحَ هَذهِ المَعركة الكَلاميّة مع الرئيس التركيّ، بطَريقَةٍ تتَّسِم بالصِّلفِ والغُرور.
الرَّصاصة الأُولى في هَذهِ المَعركة أطلَقها نِتنياهو عِندما اتَّهم تركيا باحتِلال شمال قبرص، وقتْل الأطفال والنِّساء الاكراد في عِفرين، ووصف الجيش الإسرائيليّ بأنّه أكثَر الجُيوش أخلاقًا في العالم، ولهِذا لا يُمكِن أن يقبل المَواعِظ مِن الرئيس أردوغان الذي يقْصِف المَدنيين دُونَ تَمييز.
***
وإذا كان السيّد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” قد تعامَل مع نِتنياهو ومَسرحيّته المُفتَعلة التي حمَلَت اسم “درع الشمال” قُرب الحُدود اللبنانيّة بالتَّجاهُل والاحتِقار، وتَرفَّع عَن الرَّد عليه، وتَرك الأمر للقُوّات الدوليّة ومُمَثِّليها لكيّ تُفَنِّد أكاذيبه ولو إلى حِين، فإنّ الرئيس التركيّ الذي يُدرِك جيّدًا أنّ نِتنياهو يدعَم الطُّموحات الانفِصاليّة الكُرديّة، ولا يَكُن ود لبِلاده التي تدعم حركة “حماس” لا يستطيع أن يُفَوِّت هَذهِ الفُرصَة، ويلتَزِم بفَضيلة الصَّمت بالتَّالي، وكانَ مُحِقًّا عِندما قال إن نِتنياهو “يُمَثِّل صوت الظَّالِمين، ويُمارِس إرهاب الدولة ولا يَحِق له توجيه الاتِّهامات لأيّ طرف قبل أن تتم مُحاسَبته وبلاده على خَطاياها وجرائِم حربها ضِد الإنسانيّة والمَذابِح التي ارتَكبتها”، وذلِك في خِطابٍ ألقاهُ اليوم الأحد.
الجيش الإسرائيليّ الذي يَصِفه نِتنياهو بأنّه أكثَر جُيوش العالم أخلاقًا، قتَل يوم الجمعة الماضِي فقط 16 فِلسطينيًّا مُعظَمهم مِن الأطفال والمَدنيين العُزَّل، وأصاب 1400 منهم، كانوا يتَظاهرون كُل أُسبوع خَلف الحاجِز الشائِك على حُدود القِطاع مع فِلسطين المُحتلَّة.
هذا الجيش و”أخلاقه الرَّفيعة” قتل قنّاصته حتّى الآن حواليّ 200 مُتظاهَر، وأصاب أكثر مِن خمسة آلاف آخرين على مَدى الأَشهُر القَليلة الماضِية، وكان مِن بين الشُّهَداء أطبّاء ومُمرِّضين ومُسعِفات وأطفال، مارَسوا حقَّهم المَشروع في الاحتِجاج على الاحتِلال برفع الشِّعارات وأعلام وطنهم، والمُطالَبة بحَق العودة، ولا ننسى استخدامه قنابِل الفوسفور الأبيض أثناء العُدوان على القِطاع.
والأخطَر مِن ذلِك أنّ حاخام هذا الجَيش أصدَر فَتْوى بحَق الجُنود الإسرائيليين في اغتِصاب الفتيات والسيّدات الفِلسطينيات في ميادِين القِتال، وهَذهِ الفَتْوى مُوثَّقَة لا يستطيع نِتنياهو إنكارها، ومِن المُؤسِف أنّ هذا الغَرب المُتَحضِّر الذي يدعَم نِتنياهو ويَغُضْ النَّظَر عَن كُل جرائِم القتل الأُخرَى التي يَرتكِبها جيشه في الضفّة والقِطاع، وقبلها في جنوب لبنان وسورية ومِصر والأُردن.
فريح أبو مدين، الصديق وزير العدل الفِلسطيني السابق، قال لي قبل أيّام إن أكبر مشكلة يُواجهها قِطاع غزّة حاليًّا ليس الحِصار والتلوّث والبِطالة وأكثر مِن مئة ألف منزل مُدمَّر في القِطاع ما زالت على حالها منذ عدوان 2014، وإنّما أيضًا أكثر من ثلاثة الاف شاب مقعد أُصيبوا برصاص الإسرائيليين المُحرَّم دوليًّا أثناء مُظاهرات العَودة السلميّة، واضطرَّ الأطبّاء لبتر سيقانهم، لانعدام العناية الطبيّة اللازمة في المُستشفيات ولتهتك عظامهم وعضَلاتهم مِن جرّاء هذا الرَّصاص، وأضاف تصوَّر حال هؤلاء الشبّان الصِّغار في ظِل ظُروف معيشيّة صَعبة، حيث يتكَدَّسون في بيوتِ مُخيّماتهم بمُعدَّل ثمانية أشخاص في الغُرفَة الواحِدة، ودون وجود حمّامات خاصَّة باحتياجاتِهم، وطبيعة إصابتهم، وانعِدام الطَّعام والدَّواء بفِعْل الحِصار؟
نِتنياهو رئيس وزراء مُجرِم يتَربَّع على عَرش دولة إرهابيّة عُنصريّة، تحتل الأرض، وتُهَوِّد المُقدَّسات، وأغارَت طائِراتها أكثَر مِن 200 مرّة على العُمُق السوريّ طِوال السَّنوات الثَّلاث الماضِيَة، وقتلت المِئات مِن أبناء سورية العُزَّل.
نَجِد لِزامًا علينا، ونَحنُ الذين عانينا وأهلنا مِن الاحتِلال الإسرائيليّ وجرائِمه أن نَكشِف الوجه القَبيح لهذا العُنصريّ الذي يقتل جنوده الجَرحى الفِلسطينيين بعد سُقوطِهم على الأرض، ويَقوم مستوطنوه بإحراق طفل مِثل محمد أبو خضير مِن الدَّاخِل والخارِج في جَريمةٍ إرهابيّةٍ غَير مَسبوقَة.
هَذهِ الدولة الإسرائيليّة العُنصريّة التي تُمارِس أبْشَع أنواع التَّمييز ضِد أبناء الدِّيانات الأُخرَى، وتُشَرِّعه بقانون “القوميّة اليهوديّة”، وتَقتُل كُل مُبادرات السَّلام مِن مُنطَلَق غطرسة القُوّة والدَّعم الأميركيّ يَجِب أن يَقِف الجميع في خَندقِ فَضْحِها، وتمزيق الأقنِعَة عَن وَجْهِها البَشِع، يُشَرِّفنا أن نكون في خَنْدَقِ هؤلاء.
خِتامًا، نَتَمنَّى على الرئيس أردوغان أن لا يكتَفِي بالرَّد على الأكاذيب الإسرائيليّة بالكَلماتِ فقط، وأن يُبادِر بقَطعِ العِلاقات مَع هَذهِ الدولة الإرهابيّة، ويُوْقِف كُل التَّعامُلات التِّجاريّة والاقتِصاديّة معَها.. فهَل يُحَوِّل كلامَهُ إلى أفْعالٍ؟