خارج الديمقراطية
ما من كلمة تستحق إهتمامنا أفضل من كلمة “الديمقراطية” ذلك لأن الدراما الإنسانية منذ عصور أفلاطون و أرسطو إلى أيامنا تكاد تجمع على أن أصل البلاء في أنظمة الحكم يكمن في عجز البشر عبر التاريخ عن تحقيق المعنى الحقيقي لهذا المصطلح الخطير ألا و هو تحقيق سلطة توفر للفرد و للمجتمع و للدولة معا حقوقهم الطبيعية أي للشعب بأكمله ، وهذا لم يتحقق لأحد فعلى الصعيد الفلسفي لم تنجح أية دولة في تحقيقها إلا لأمد محدد جدا كما على الصعيد الديني ، فإذا حصرنا حديثنا في إطار الدين الإسلامي نجد أن الشورى التي دعا إليها الإسلام في القرآن الكريم كما في الحديث الشريف لم تطبق ولم تصبح نظاماً ذلك لأن المسلمين كما نفهم من وقائع التاريخ منذ وفاة رسولهم لم ينتخبوا مثلاً أبا بكر حسب مذهب الشورى وإنما انتخبه بعض الصحابة من المهاجرين في سقيفة بني ساعدة ووافق عليه الأنصار الموجودين لا عن قناعة بل دفعا للفتنة ، كما أن انتخاب “عمر بن الخطاب” لم يتم بالشورى بل بتوصية مباشرة من” أبي بكر” و حين تعرض “عمر” للإغتيال دعا وهوعلى فراش الموت إلى شورى محددة بستة أشخاص اختارهم الخليفة وهو يحتضر فاز منهم ” عثمان بن عفان ” و بعد مقتله على يد الثوار اختار الثائرون “علي بن أبي طالب” الذي لم يبايعه جميع الصحابة و الولاة ، وهكذا اشتعلت الفتنة الكبرى حين رفض معاوية بن أبي سفيان الإعتراف بخلافة “علي” الذي اغتيل أيضا و ظفرت الأسرة الأموية بالحكم حسب نظام وراثي ومثلهم صنعت الأسرة العباسية بعد انتزاعها الحكم من الأمويين وهكذا ندرك أن المجتمع الإسلامي لم يعرف الديمقراطية إطلاقا إلا في ظل خليفتين فقط هما : “عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز – الأموي ” و كل هذا يؤكد أن قضية الديمقراطية ليست مسألة نظام فقط وإنما هي قضية البشر أجمعين لأنهم كلهم مطبوعون على الأنانية التي تفسد عليهم الديمقراطية كنظام شامل ثابت فما هو الحل بعد كل هذا التاريخ الموجع ؟
صحيح أن الديمقراطية لم تتحقق بكامل محتواها الفكري الإنساني ولكن الأمم الغربية إستطاعت أن تنجز نظاما قريباً من الديمقراطية وعلى الأخص في الدول الأوربية الصغيرة مثل السويد والنروج والدانيمارك وسويسرا و غيرها أما المجتمع الإسلامي في العالم أجمع لا نجد أية دولة ديمقراطية .
و ها نحن حتى الأن ما نزال نقرع الباب على الساحة الديمقراطية الأوروبية أو الأميركية و لا يستجيب لنا أحد كي نفهم أخيراً أن هذا الباب لن يفتح لنا إلا بقدرتنا على المنافسة في صنع النظام الديمقراطي حسب الشورى التي دعانا إليها رسولنا المسلم والتي يمكن أن نفهمها كما تقتضيه أحوال العصور الحديثة المتطورة و إن لا فنحن كما يبدو سوف نبقى خارج الساحة الديمقراطية إلى الأبد …..