“خدمة” و “إلزامية “…
تتعدّد تسميات الخدمة الإلزامية العسكرية في العالم العربي من بلد لآخر، حسب اللغة الإدارية المعتمدة والتوصيف الشعبي أيضا،والذي لا يخلو من مكر ومراوغات ،فهي “خدمة العلم” أو”الجنديّة” أو “خدمة الجيش” أوحتى “السرفيس ميليتير” بالنطق الفرنسي لدى العامة في تونس وبعض بلدان المغرب العربي.
نعم تعدّدت التسميات لمسمّى واحد تقرّ به وتفرضه أغلب الدساتير في العالم بما فيه الدول العربية،لكنّه ليس واحدا في نوعية الخدمة وطبيعتها وحتى توجهاتها،لذلك انقسمت الآراء حول إلزاميته بين صفوف الشباب وهم الشريحة العمرية المعنيّة بالموضوع أكثر من غيرها،وكذلك اختلفت حولها النخب السياسية والعسكرية والثقافية بين مؤيد لإلزامية الخدمة العسكرية على اعتبارها واجبا وطنيا لمن استطاع إليها سبيلا ومدرسة لا بدّ منها في القيم الكبيرة،تبدأ من مبدأ الاعتماد على الذات والرياضة الصباحية وتصل إلى مصافحة القيم الأكبر في التضحية ونكران الذات وخدمة المجموعة الوطنية،وبين رافض لمن أسماه بالضريبة المجحفة والمجانية التي تقتطع من عمر الشباب في ريعانه،وكان الأجدر به أن يخدم الوطن بما ينفع نفسه أولا والبلاد عموما،فيساهم في دفع عجلة التنمية بطرق أكثر جدوى وفاعلية وابتعادا عن هذا التجميد بدل التجنيد كما قال أحد الشبان المجنّدين في الجيش التونسي ،ثمّ أنه ليس كما يعتقد ويصوّر في اللقطات التحسيسيّة والإعلانية التي تطلقها وزارات الدفاع عادة في البلاد العربية،يضيف مثقف عربي يعيش في بلد أوروبي،إنه أوّل مدرسة للإذعان وتحمّل الإهانات والركض دونما سبب،يقول طبيب سوري مهاجر إلى الولايات المتحدة ،ثم ختم مازحا “لو ركضت في اتجاه واحد أثناء التدريبات العسكرية لوصلت إلى أمريكا قبل مجيئي الآن بسنوات وجنّبت عائلتي مصاريف مجيئي بسبب انقطاع أثناء الخدمة العسكرية التي كنت أعمل فيها سائقا لسيارة زوجة أحد الضبّاط وممرّضا لأحد أقاربه “.
تتفق أراء كثيرة حول أنّ العيوب ليست في الخدمة العسكرية ،بل في كيفيتها وأهدافها غير المعلنة في بعض البلاد العربية ذات الأنظمة التي تأخذ منحى طائفيّا واستقصائيّا واستبداديّا فيتحوّل فيها الجندي إلى شرطي قمع ،يمسك بهراوته في وجه الشعب بدل أن يوجّه سلاحه نحو الأعداء الحقيقيين خارج حدود البلاد.
يتحفّظ الكثير من الذين يساندون الخدمة العسكرية على مبدأ الفرض والإلزامية من ناحية فظروف الناس ليست واحدة، كما يقول أحد المعيلين لأسرته ويخدم عسكريته بنفس الوقت في جيش نظامي عربي،ثم أنّ الذين يساندون إلزامية الخدمة العسكرية أنفسهم يختلفون في مدّة الخدمة ويرى أغلبهم بأنها مجحفة في دول كثيرة تزيد الخدمة العسكرية عن عام ،هذا عداك عن الخلافات والاختلافات الفرعية التي يطرحها الموضوع كتجنيد الفتيات عبر التطوّع أو الإلزام كما حصل في تونس ومّت مناقشته في البرلمان وهو أمر وصفه كاتب تونسي بالمغالاة في قضية حقوق المرأة واستبشر ممثل كوميدي بإشاعة خبر تجنيد الفتيات بتعليقه : وأخيرا تمت المساواة التامة بين المرأة والرجل في تونس وأصبحنا سواسي كأسنان مشط السلاح في مواجهة الدواعش ،ونصح المجنّدات بعدم الإكثار من صور السيلفي مع جثث القتلى من الإرهابيين.