تحليلات سياسيةسلايد

خرائط الانسحاب تعقّد المفاوضات: عين العدوّ على «غيتو رفح»

وصلت المفاوضات غير المباشرة في شأن التهدئة في قطاع غزة إلى مرحلة حاسمة، في ظل ما يُحكى عن تفاهم على البنود الأساسية للاتفاق، الذي بات ينتظر الضوء الأخضر السياسي من جانب الحكومة الإسرائيلية، لتتم ترجمته إلى إعلان رسمي. ووفق مصادر مصرية مشاركة في الاجتماعات، فإنه على الرغم من ذلك التفاهم المفترض، تبقى بعض التفاصيل الزمنية والإجرائية الحسّاسة قيد البحث، ولا سيما تلك المرتبطة بانسحاب قوات الاحتلال وضمانات تنفيذ الصفقة، بما يفتح الباب أمام مفاوضات إنهاء الحرب.

وفي هذا السياق، أكّدت المصادر أن المسألة باتت معلّقة حتى وصول المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى العاصمة القطرية الدوحة، لمحاولة دفع المفاوضات قدماً. ولفتت إلى أن بعض النقاط لا تزال قيد التفاوض، من بينها «ضمانات وقف إطلاق النار» و«مفاتيح» صفقة تبادل الأسرى، أي المعادلة الرقمية للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين، إضافة إلى الآليات الخاصة بإدخال الإمدادات والمساعدات إلى القطاع.

وعلى المقلب الإسرائيلي، أوردت «القناة 12» العبرية نقلاً عن مصادر مطّلعة على محادثات الدوحة، أن الساعات الأربع والعشرين الأخيرة «لم تشهد أي تقدّم يُذكر»، مرجعةً ذلك إلى استمرار الخلاف في شأن خريطة انسحاب الجيش الإسرائيلي. وكشفت القناة أن واشنطن طلبت من حركة «حماس» تأجيل طرح هذا البند حتى استكمال المفاوضات، في وقت تطالب فيه الحركة بانسحاب الاحتلال إلى الخطوط التي كانت قائمة في شهر آذار/ مارس الماضي، أي قبل خرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار السابق.

وتُظهر خريطة الانسحاب التي عرضها الوفد الإسرائيلي، إبقاء مدينة رفح بالكامل تحت سيطرة جيش الاحتلال، ما يفتح المجال أمام تثبيت خطّة التهجير القسري، من خلال تحويل رفح إلى نقطة تجميع للنازحين، تمهيداً لدفعهم خارج القطاع، إمّا إلى مصر أو عبر البحر. وتشير المعطيات المتقاطعة إلى أن هذه الخريطة تقضم نحو 40% من مساحة قطاع غزة، من بينها أجزاء واسعة من بيت لاهيا، وقرية أم النصر، ومدينة بيت حانون، ومنطقة خزاعة، فضلاً عن اقترابها من شارع السكة في أحياء التفاح والشجاعية والزيتون، ومن شارع صلاح الدين في دير البلح والقرارة.

خريطة الانسحاب الإسرائيلية تُكرّس احتلال 40% من غزة وتحرم 700 ألف نازح من العودة

ووفق المصادر، فإن الخط الأساسي للانسحاب المُقترح يبتعد مسافة 1200 متر عن الحدود، لكنّ التدقيق أظهر أنه يصل فعلياً في كثير من المناطق إلى عمق يراوِح بين 2000 و3000 متر. وهو ما يعني، عملياً، حرمان نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى منازلهم، ودفعهم إلى التجمّع في رفح. كما تفيد التسريبات بأن الخريطة المعدّلة التي قدّمتها إسرائيل «تتضمّن انسحاباً من طريق موراغ القريب من الحدود المصرية، مقابل الإبقاء على وجود عسكري شمال طريق فيلادلفيا، ضمن شريط يمتد 2 إلى 3 كيلومترات».

مع ذلك، يرى الوسيط المصري أن الشكل الحالي للاتفاق يعكس توازناً حذراً بين مطالب الفصائل الفلسطينية من جهة، ومطالب إسرائيل من جهة أخرى. فالاتفاق المطروح لا يلبّي، برأي القاهرة، المطالب الإسرائيلية بالكامل، كالإفراج عن كل الأسرى أو الجثامين، لكنه يضع أسساً لمرحلة تفاوضية جديدة بشأن وقف الحرب، تكون فيها فصائل المقاومة في موقع تفاوضي أقوى.

وبناءً عليه، بدأت القاهرة التحرّك لتثبيت موقعها كقناة محورية في مرحلة ما بعد الاتفاق، عبر اتصالات دبلوماسية يقودها وزير الخارجية بدر عبد العاطي مع عدد من العواصم الأوروبية والعربية، من أجل تأمين دعم سياسي ومالي لإعادة إعمار غزة، وتسهيل إدخال المعدّات والمواد الأساسية إلى القطاع. ويجري هذا التحرّك على الرغم من التباينات السياسية القائمة مع بعض العواصم الخليجية، وفي مقدّمها الرياض وأبو ظبي، اللتان تسعيان للعب دور مستقل في المرحلة المقبلة، بعيداً عن التنسيق المصري – القطري.

وفي موازاة ذلك، نقلت «القناة 13» العبرية أن الجيش الإسرائيلي يعتزم خلال الأسبوع المقبل إعلان تحقيق أهداف ما يُعرف بعملية «عربات جدعون»، على أن يكون القرار السياسي بشأن مواصلة الحرب أو التوقف بيد المستوى الحكومي. غير أن ضغوطاً داخلية وخارجية تتزايد على الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما في ضوء تقرير موسّع نشرته «نيويورك تايمز» الأميركية، ونقل عن عدد كبير من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والعرب، تأكيدهم أن قرارات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كانت العامل الأساسي في إطالة أمد القتال، خلافاً لرؤية المؤسسة العسكرية.

وبحسب التقرير، فإن نتنياهو «قاد البلاد إلى حرب طويلة ومكلفة بدوافع سياسية وشخصية، أضعفت الجيش، وأدّت إلى تعميق الانقسام الداخلي»، كما أنه «تجاهل نصائح الجنرالات بوقف الحرب»، وعرقل التوصل إلى اتفاقات هدنة في مراحل حرجة، ومنها تلك التي كادت تُبرم في شهرَي كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2024. وأشارت عضوة «الكنيست»، إفرات رايتين، إلى أن هذا التقرير ليس مجرّد توثيق صحافي، بل «وثيقة تكشف كيف تحوّلت الحرب، والرهائن، والأمن القومي إلى أدوات في لعبة سياسية هدفها البقاء الشخصي لنتنياهو، وثمنها أرواح البشر».

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى