خطة «مارشال» إيرانية كورية صينية روسية في خدمة النظام السوري وحلفائه

إعداد منال نحاس

يرى كثر أن كارثة حلت بسورية (وفاة حوالى مئتي ألف وشيوع الدمار وخسائر قيمتها بلايين الدولارات ودمار مدينة حمص القديمة وشرق حلب). ولكن ثمة غيرهم ممن يرى أنها تربة فرص الاستثمارات الواعدة. فالاقتصاد السوري في حال يرثى لها. وشطر راجح من حقول النفط السورية، وهي كانت شريان حياة الاقتصاد، وقع في أيدي «داعش»، المنظمة المتطرفة الاسلامية. وحرمت سيطرة «داعش» على المرافق هذه النظام من عائدات قدرها مليونا دولار يومياً. ويقدر البنك الدولي كلفة اعادة الاعمار في سورية بأكثر من 200 بليون دولار.

ولا يخفى ان دواعي الاستثمارات الأجنبية اليوم في سورية سياسية وليست اقتصادية. فالمستثمرون هم ممثلو حكومات متحالفة مع نظام بشار الأسد وشركات تابعة لها. ويرى هؤلاء ان العائدات المالية لاستثماراتهم على الأمد القصير غير مجزية، لكنها جسر الى رسم معالم نظام الحكم المقبل في البلد هذا. وثمة أوجه شبه بين مشاريع الاستثمار هذه واستراتيجية إيران في لبنان إثر حرب «حزب الله» وإسرائيل في 2006. فبعد يوم على وقف النار، شكل الحزب هيئة تشرف على استخراج المعادن والاسمنت (الترابة) من الركام من اجل «تدويرها» وإعادة استخدامها، وفق صحيفة «الشرق الأوسط». وتولت شركات تشرف عليها ايران استخراج المواد هذه التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. وتشييد متنزه «ايران بارك» في قرية مارون الراس اللبنانية المطلة على اسرائيل، سلّط الضوء على دور طهران في إعادة بناء مناطق «حزب الله». وتزين صور المسؤولين الايرانيين المتنزه، ونقلت صحف لبنانية عن الجنرال قاسم سليماني قوله عام 2012 (في مؤتمر الشباب و «النهضة الاسلامية» في طهران) أن التدخل الايراني اقتصادياً في جنوب لبنان والعراق ساهم في دوران الناس في فلك الجمهورية الاسلامية وخلف أثراً كبيراً في «ممارساتهم وتفكيرهم».

ويبدو ان الرئيس السوري يدرك أن علاقات بلاده الاقتصادية اليوم ستؤدي دوراً بارزاً في تحديد وجهته السياسية. ففي مطلع هذا العام، أبلغ وفداً أردنياً زار دمشق أن ابواب الاستثمار موصدة في وجه المستثمرين والشركات الغربية والخليجية في سورية، (أو على الأقل في الجزء الذي يقع تحت سلطته). لكن الأبواب هذه مشرّعة أمام الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا. وفي كانون الاول (ديسمبر) 2013، أبرمت شركة النفط والغاز الروسية سويزنفتغاز اتفاقاً بـ90 مليون دولار مع وزارة النفط السورية للتنقيب في مياه المتوسط واستخراج (الغاز أو النفط). وليس الكسب التجاري أو المالي وراء إقبال الشركات الروسية على الاستثمار في البلد المنكوب هذا. فسورية قبل الأزمة لم تتصدر لائحة شركاء روسيا التجاريين، وحلت في المرتبة التاسعة. لكن القاعدة البحرية الروسية اليتيمة في المتوسط تقع في مرفأ المدينة العلوية، طرطوس. وقيمة العقود السورية مع وزارة الدفاع الروسية تفوق 4 بلايين دولار.

ولم تقتصر الاستثمارات الروسية في سورية على نواة النظام في الساحل. ففي عين ديوار، على مقربة من مناطق تسيطر عليها «لجان حماية الشعب» الكردية و «داعش»، أبرمت شركة «ستوريترانسغاز» الروسية عقداً بـ263 مليون دولار في حزيران (يونيو) الماضي مع اللجنة العامة للموارد المائية في مقابل إنجاز المرحلة الأولى من مشروع ري (أعدت خطته قبل الأزمة لمكافحة الجفاف في شمال شرقي سورية). والتقى وفد كوري شمالي رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، لمناقشة اعادة الاعمار. وترى بيونغيانغ أن دمشق جبهة أمامية في الحرب على الولايات المتحدة وحلفائها. وسوابق التعاون بينهما كثيرة: مفاعل البلوتونيوم في الكُبر الذي دمرته اسرائيل في 2007، وإرسال 15 طيار مروحية الى سورية ونشر قوة برية صغيرة في حلب. وإثر الزيارة الكورية الشمالية، أعلن السفير الصيني لدى سورية دعمه شراكة في تطوير قطاع الطاقة. فالصين كانت في 2011 شريك سورية التجاري الاول، وشركة «شاينا ناشنل بيتروليوم» الصينية العامة حازت في 2012 حصصاً في اكبر شركتي نفط في سورية، وأبرمت معهما اتفاقات ببلايين الدولارات. وتسعى ايران الى دور راجح في صناعة الإسمنت السورية. ولا يستخف بأهمية القطاع في مرحلة إعمار البنى التحتية المدمرة. وإيران تمتلك رابع مصنع للاسمنت في العالم. ويقال إن «حزب الله» انشأ شركة إسمنت جديدة في لبنان تموّلها إيران. وفي أيار (مايو) 2012، قال حسن جشي، المدير العام لشركة «وعد»، لصحيفة «نيويورك تايمز» أن بلاده (ايران) «تقول: أتريدون مصانع، أنا جاهزة، أتريدون كهرباء، أنا في الخدمة من غير مقابل». لكن ثمن خدمات الجمهورية الإسلامية هو تأمين خطوط إمداد «حزب الله في لبنان والتفوق على دول الخليج السنية في السباق على الهيمنة الاقليمية.

وليست دواعي الاستثمار في سورية الواقعة في دوامات الحرب سياسية فحسب، فثمة مصالح اقتصادية ترتجى من ظروف الحرب. ففي العام الماضي، حين كانت سورية تنازع جراء اسوأ موجة جفاف في العقود الاخيرة، أنشأت الدائرة المقربة من النظام شركات واجهة لتجاوز العقوبات الدولية واستيراد سلع غذائية من روسيا وأوكرانيا وتركيا ولبنان. ومثل هذه الإجراءات أغدق الأرباح على الأسد وشبكة زبائنيته والشركات الاجنبية، ومنها شركات تنتج السلع الغذائية في البحر الأسود. ووسع الشركات هذه والدائرة المقربة من النظام الاستفادة من المجاعة التي ضربت البلاد. وشركات البناء الأجنبية في متناولها جني مكاسب من الكارثة السورية. ففي 2013، فاق عدد المنازل المدمرة نصف مليون، وقد تشارك شركات «حزب الله» في بنائها وتيسِّر عودة اللاجئين السوريين (معظمهم من السنّة وإخلالهم بالتوازن الطائفي لا يصب في مصلحة الشيعة) إلى بلدهم وتخفف الأعباء الاقتصادية المترتبة على كاهل لبنان.

المعارضة السورية سعت الى استقطاب المستثمرين في مناطقها. و «ملتقى الأعمال السوري» هو جمعية غير ربحية مستقلة تمد جسور التواصل بين سوريي الداخل والخارج. وهي موّلت تنظيم دورات لتعليم زوجات الشهداء في درعا الخياطة وإنشاء مخبز في إدلب، وتقديم عرض مسرحي في مخيم ميديات في تركيا. لكن المشاريع هذه ضئيلة قياساً الى مشاريع حلفاء النظام. وتشير تقارير صحافية اقليمية إلى أن شركات خليجية تؤيد المعارضة أرسلت بعثات الى لبنان للبحث في سبل المشاركة في احياء الاقتصاد السوري بعد الحرب. لكن هذه المساعي لا تزال طرية العود ويسعى الاسد وحلفاؤه الى استبعاد الغرب ودول الخليج من أداء دور ريادي في مرحلة إعمار المناطق المدمرة، والحؤول دون أن تلعب دوراً مؤثراً في سورية ما بعد الحرب.

صحيفة الحياة اللندنية
عن «فورين افيرز» الأميركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى