خطر إعتماد الأوهام في رسم سياسات الدول !
خاص باب الشرق
تستمر الإدارة الأميركية بتصميم سياساتها تجاه سورية دون معرفة كافية بواقع الأحوال فيها، و دون إستيعاب شامل لطبيعة القوى المؤثرة في الحياة السورية. وتلجأ لتعوض هذا النقص باللجوء للأوهام المستمدة من جهات معادية لسورية. و جاء اللقاء الصحفي الذي أجراه المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري الأسبوع الماضي،عبر الهاتف، ليؤكد مدى جهل أو مدى تهافت ما تستند إليه واشنطن في التعاطي مع سورية إلى درجة يصح معها أن ننصح جيفري بالقول الشامي ( كبر عقلك يا زلمة ).
من تابع مجريات ومعاني تصريحات جيفري يجد أنه أستند إلى ما نشر في المواقع الروسية حول شعبية الرئيس بشار الأسد ومدى حظوظه في الفوز في إنتخابات الرئاسة 2021… و… و… ورغم أن هذه الكتابات الروسية حذفت بعد ساعات من نشرها، و رغم نفي الكرملين وجود أي تغيير في علاقة بوتين بالرئيس الأسد و وصفه لها بـ( الصحافة الصفراء) إلا أن جيفري اعتبرها مؤشراً لتغير الموقف الروسي تجاه الرئيس الأسد، و ذهب إلى أن موسكو تقترب من الرؤية الأميركية للحل في سورية.
النقطة الثانية التي ارتكز إليها جيفري في إطلاق مواقفه تجاه سورية كانت الفيديوهين اللذين بثهما رجل الأعمال رامي مخلوف، وعد جيفري أن ما جاء على لسان مخلوف يدل على ( زعزعة) في بنية الحكم السوري. رغم أن موضوع الفيديوهين، مطالبة مخلوف للرئيس ليتدخل لدى الفريق الحكومي ليجدول له دفع ما يطالبونه به من مستحقات ليس قضية سياسية أبداً بل هي موضوع مالي ( جدولة دفع حقوق متراكمة) و من الواضح أيضاً أن المبعوث الأميركي لم ينتبه إلى أساس الفيديوهين الذي تمثل ب ( إعتبار الرئيس الأسد صمام الأمان للبلد والمنقذ للشعب) حسب تأكيد مخلوف الذي أعرب عن موقفه في كونه ( خادم للشعب ويحترم قرارات الرئيس ولا يتوانى عن تنفيذها ) بعد كل ذلك، كيف يستنتج مبعوث دولة عظمى أن مشكلة ( جدولة حقوق مستحقة على رجل أعمال) يمكن أن ( تهز بنية الحكم السوري) و تقرب أميركا من تحقيق حلمها في إبعاد الرئيس ؟؟
الأمر الثالث الذي أسس عليه جيفري أطروحاته، هو إعادة التموضع الذي قامت به بعض القوى المساندة للجيش السوري، سواء من مقاتلي حزب الله أو فصائل المقاومة المدعومة من إيران، حيث رأى جيفري في عملية إعادة التموضع هذه إنسحاباً للقوى الإيرانية من سورية بفعل الضغط الأميركي والقصف الإسرائيلي. و هذا الفهم من جيفري يغفل أو يتغافل عن طبيعة التنقل وإعادة التموضع التي تقوم بها هذه الفصائل، حيث أنها انسحبت من أماكن لم يعد لوجودها أي ضرورة فيها وأنتقلت إلى أماكن تحتاجها لأهداف تكتيكية و استراتيجية، أي أن تنقل القوات المدعومة من إيران في سورية هو إستمرار لوجودها بشكل فاعل و ليس إنسحاباً بأي شكل من الأشكال، كما توهم جيفري.
و هكذا ربط جيفري بين ( الصحافة الصفراء) الروسية, و فيديوهات رامي مخلوف و تنقلات الفصائل الداعمة للجيش السوري، ليستنتج أن إستراتيجية بلاده القائمة على الحصار الإقتصادي والضغط على روسيا و دعم إسرائيل في عدوانها المتكرر، و مساندة القوى الإنفصالية شرق الفرات قد جاء حسب استنتاجاته المتوهمة بنجاح إستراتيجية بلاده في سورية، وجعله يخلص إلى إستنتاج لا يمكن إعتباره إلا ( إبناً شرعياً للوهم) حيث رأى أن روسيا تغير موقفها من الرئيس الأسد، وتقترب من واشنطن في تصوراتها للحل في سورية، ولم ينتبه جيفري إلى أن من يعتمد الأوهام في بناء إستراتيجياته لا يحصد إلا الخيبات .
و بدلاً من إعتماد الدولة العظمى أميركا على الوقائع في فهم قضايا سورية والمنطقة والعالم، نراها تلجأ إلى الأوهام، وتتعامل معها كحقائق بديلة لتؤسس عليها إستراتيجية تعاملها الشامل. وعملية ( خلق بدائل متوهمة) لحقائق المنطقة ، بهدف تبرير العدوان ومحاولات الهيمنة والسيطرة، ستؤدي كما أدت دائماً إلى تخبط السياسات الأميركية وزيادة معاناة الشعوب، خاصة وأن فشلها وانهيار أوهامها له أيضاً إنعكاسات سلبية على حياة الشعوب و استقرار و أمن العالم،. . . فهل هناك أخطر من إعتماد الأوهام في رسم سياسات الدول.؟!!
باب الشرق