خطَّة أفيف كوخافي لا تملك ترف الوقت
أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عن خطَّة الجيش للسنوات الخمس القادمة، والتي أُطلق عليها اسم “تنوفا” بالعبريّة، بمعنى “الزخم” بالعربيّة.
تأتي هذه الخطّة في سياق إعادة ترتيب الجيش الإسرائيليّ وتنظيمه في مواجهة التهديدات المستجدة في السّاحة الإقليميّة والدّوليّة، في ظلّ عدة متغيّرات حدثت في السنوات العشر الأخيرة، أهمّها اختلاف نوعية العدوّ، إذ بات أهم عدوّ للكيان الصّهيونيّ هو تنظيماتٍ ذات إيدلوجيا من الناحية العقدية وهياكل بنيويّة أكبر من التّنظيم وأقلّ من الدّولة.
وفي ظلِّ غياب الجيوش النظاميَّة عن مشهد التّهديدات، بات شكل حروب الجيل الرابع أو ما يُسمى بالحروب غير المتكافئة يتسيّد المشهد الصّهيونيّ، إذا ما أضفنا عامل التطورات التكنولوجية المتنامي بشكل غير مسبوق في العالم بأسره، ما ينعكس على نوعيّة السلاح والتقنيات التي تمتلكها التنظيمات المعادية “لإسرائيل”، وخصوصاً تقنية الصواريخ والطائرات المسيّرة والسّايبر، ما يجعل الجبهة الداخلية الإسرائيلية جزءاً من ساحة القتال، وليست بمعزل عنها، كما كانت في السابق.
ظهرت الإشارات الأولى إلى ضعف الجيش الإسرائيلي في مواجهة هذه التهديدات في حرب تموز 2006، ومن ثم حرب البنيان المرصوص في العام 2014، التي كانت أطول حرب تخوضها “إسرائيل” في تاريخها، الأمر الَّذي دفع المؤسَّسة العسكريّة الإسرائيليّة آنذاك إلى أن تشرع في خطّة “جدعون” في بداية ولاية جادي أيزنكوت، كرئيس أركان هدفه الأساسيّ إعادة بناء هيكلة الجيش بما يتناسب مع تلك التهديدات.
ولم يكتفِ أيزنكوت بخطة جدعون، فلأول مرة في تاريخ الجيش يتمّ نشر وثيقة رسمية مكتوبة تشرح استراتيجيته في العام 2015، انتهت الخطة التي أعادت الاهتمام بسلاح البرّ داخل الجيش الإسرائيلي إلى حدّ كبير، وسعت إلى تحديد طبيعة علاقة المستوى العسكريّ بالمستوى السياسيّ في “إسرائيل”.
إنَّ قراءة شخصيَّة أفيف كوخافي، النباتي، عازف البيانو، الفيلسوف القادم من وحدة المظلّيين، عبقري التكتيكات القتالية، والمؤمن بوجوب العودة إلى الحرب الخاطفة السريعة وباستراتيجية الضربة القاضية من الجولة الأولى، توضح جوهر خطّة “تنوفا” العسكريَّة.
يسعى كوخافي من خلال خطّته إلى أن يصبح الجيش قادراً على إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، بمعنى بناء وحدات الجيش وخطّة الحرب على مبدأ سرعة التنفيذ، ما يجعل الدخول البري هدفاً أساسياً لإنجاز تدمير العدوّ، ولكن ليس بهدف الاحتلال، بل من أجل تدمير قدرته في هذا المكان.
لذا، يعتبر كوخافي أنَّ تدمير أكثر من 50 في المائة من قوة العدو معياراً للنصر، الأمر الَّذي يتطلَّب توفير عتاد تكنولوجيّ فائق الجودة على مستوى الجنود في الميدان، يساعدهم على تحويل المعلومات الاستخبارية إلى أوامر تنفيذية لتدمير الهدف أثناء القتال، وهو ما يتطلَّب بناء قدرة عقلية ذهنية جسدية على مستوى الجندي المقاتل في الميدان من الناحية التكتيكيَّة.
أما من الناحية الاستراتيجيّة، فإنّه يهدف إلى إحداث حالة تكامل بين أذرع الجيش، مع التأكيد على دور سلاح البر في إحداث الصَّدمة الكبرى، بمعنى تغيير أسس استراتيجيّة القتال القديمة داخل الجيش، المبنيّة على حسم المعركة من خلال سلاح الجوّ، مع الحرص على عدم الدخول في معارك برية إلا عند الضرورة القصوى فقط.
تواجه خطّة كوخافي العديد من المعوّقات على عدة مستويات، أهمها أنَّها تتطلّب إحداث تغيرات جوهرية في نظرة المجتمع الإسرائيليّ إلى الحرب، فعصر حروب “الديلوكس” انتهى، ولا بدَّ من أن يتقبّل المجتمع الصّهيونيّ أن تصبح مدنه الرئيسية ميدان قتال، والأهم انتهاء حساسيته حيال عدد القتلى، سواء كانوا جنوداً أو مستوطنين، الأمر الَّذي يحتاج إلى تغيير جذريّ في ثقافة المجتمع الصّهيونيّ الاستيطاني، وهو ليس يسيراً على الأقل في المدى المنظور.
ويتطلَّب إنجاح خطّة كوخافي الطّموحة ترتيب علاقة واضحة بين المستوى السياسيّ والمستوى العسكريّ. فعلى مستوى قرار الحرب وإدارتها، يطلب كوخافي من المستوى السياسيّ أن تنتهي الحسابات السياسيّة في لحظة إعطاء الأمر في الدخول في الحرب، ناهيك باحتياج الخطة إلى استقرار سياسيّ في الحكومة الإسرائيليّة يوفّر موازنات منتظمة، وخصوصاً أنها تتطلَّب موازنة ضخمة من حيث توفير التقنيات التسليحيّة ونوعيّة التدريبات المطلوبة لرفع الكفاءة القتالية لوحدات الجيش كافة، سواء على المستوى الكلّي أو على المستوى الفرديّ.
وعلى الرغم من أنّ كوخافي يسعى جاهداً إلى تجنيد القيادة الشّابة داخل الجيش وفقاً لأفكاره، من خلال انفتاحه الواسع على قيادات الصفّ الثاني والثالث في الجيش، فإنَّ الخلافات والتّضارب في المصالح داخل مؤسّسات الجيش وأذرعه قويّة ولم تحسم بعد، وخصوصاً مع شعور سلاح الجوّ الإسرائيليّ بسحب البساط من تحت قدميه.
الخطر الأهمّ الَّذي يواجه خطّة كوخافي أنّ “إسرائيل” باتت لا تملك ترف الوقت، والمشهد السياسيّ فيها لا يوحي بالاستقرار على الأقل في هذا العام. كما أن الجبهات كلّها ساخنة، واحتماليَّة اشتعالها تزداد، ما يفقد الخطَّة عاماً آخر من عمرها يُضاف إلى العام الماضي.
هذا الأمر يضع كوخافي أمام معضلة التوفيق بين الاستعداد الآني لحرب من الممكن أن تشتعل في أيِّ لحظة وعلى أيِّ جبهة، والاستمرار بخطة “تنوفا” الاستراتيجية التي تحتاج على الأقل 5 سنوات لتعطي ثمارها.
الميادين نت