خط أحمر ستأخذه إيران على محمل الجد (مايكل سينغ)

 

مايكل سينغ

 

الحديث مؤخراً عن وضع خطوط حمراء رمزية تارة وحرفية تارة أخرى – منذ خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المصحوب بعرض توضيحي – أصبح يهيمن على المناقشات بشأن السياسة المتعلقة بإيران. فبينما كان نتنياهو صريحاً لأقصى حد في وضع خط أحمر إسرائيلي تجاه وضع إيران النووي في المنطقة، كان أوباما متردداً في وضع أية خطوط حمراء. وفي المقابل بعث الرئيس الأمريكي رسائل مختلفة بل متناقضة إلى الطرفين: إحداهما لإسرائيل، طالبها فيها بالتحلي بالصبر؛ والأخرى لإيران وحلفاء الولايات المتحدة المترددين حذرهم فيها من أن "الوقت ينفد."
وتكمن المشكلة في أن كليهما لم يعد يصدقه. ولمعالجة ذلك، عليه وضع حدود أكثر وضوحاً لمدى الصبر الأمريكي على هذا الوضع وذلك من خلال وضع خطوطه الحمراء لإيران.
وفي حين تم تأويل الخطوط الحمراء خطأ على أنها محفزاً تلقائياً أو حتى مواعيد نهائية للحرب، إلا أن الغرض منها هو تسهيل الدبلوماسية. وبصورة عامة تضع تلك الخطوط حدوداً لما يتم على أرض الواقع بالإشارة إلى ما تسمح به أم لا تسمح به واشنطن. كما أن الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة تعتبر حاسمة لتحديد "قواعد اللعبة" في الجغرافيا السياسية -ليس القواعد الرسمية التي وضعتها الهيئات المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، بل القواعد غير الرسمية التي توجه أفعال الدول. وتخلق الخطوط الحمراء القدرة على التنبؤ وبإمكانها أيضاً أن تعزز الاستقرار من خلال تغيير اتجاه الصراعات التي يمكن تجنبها والتي تشكل السياق للدبلوماسية.
ولتحقيق ذلك، يجب أن تتسم الخطوط الحمراء بأمرين: القابلة للتطبيق والمصداقية. إن القابلية للتطبيق تعني ضرورة توافق الخط الأحمر مع إجراء يمكن الكشف عنه ثم مواجهته أو التصدي له؛ بينما تعني المصداقية ثقة الآخرين في تطبيق الولايات المتحدة للخط الأحمر بمجرد تجاوزه.
إن الخط الأحمر الذي تضعه واشنطن لطهران – منع إيران من امتلاك سلاح نووي – لا يفي بهذا الغرض في كلتا الحالتين. فهو غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع لأنه بمجرد اقتراب طهران من امتلاك سلاح نووي، مثل إنتاج مخزون من اليورانيوم المخصب من النوع الحربي، فإن الخطوات النهائية المطلوبة لصنع سلاح نووي يمكن أن تتم بسرعة نسبياً وفي الخفاء – وبالتالي لا يمكن اكتشافها.
وللأسف إن الخط الأحمر الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة يفتقر أيضاً للمصداقية. فلم تعمل واشنطن شيئاً لوقف البرامج النووية لكوريا الشمالية أو سوريا؛ لكنها عملت على وقف البرنامج النووي في العراق وبشكل أوسع ولكنها دفعت الثمن غالياً حيث أصبحت فكرة "تجنب عراق آخر" عملياً بمثابة شعار للسياسة الخارجية الأمريكية. كما يراود الدول الأخرى الشك على نحو مفهوم في أن الولايات المتحدة ستسعى لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية في اللحظات الأخيرة.
ومن جانبها تنتهج إيران استراتيجية ماكرة لتقويض الخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن. فمن جهة، تتحرك طهران تدريجياً نحو قدرات نووية هائلة وتجنب خطوات دراماتيكية قد تثير غضباً دولياً وتؤدي إلى اعتقاد الولايات المتحدة بأن الخط الأحمر الذي وضعته قد تم تجاوزه. ومن جهة أخرى تحرص طهران على تأقلم واشنطن مع "طبيعية نووية" جديدة تنتهجها في كل خطوة من خطواتها نحو امتلاك أسلحة نووية، وتمضي قدماً فقط عندما يتم قبول إنجازاتها كأمر واقع.
وعلاوة على ذلك، تحذر طهران دائماً من الآثار السلبية للنزاع العسكري، وهي التحذيرات التي يقبلها ويكررها المحللون والمسؤولون الغربيون السذج. إن ذلك يجعل مطالبة هؤلاء المسؤولين بضرب إيران أمراً بعيد المنال من أي وقت مضى.
وفي كلمته أمام الأمم المتحدة، أشار نتنياهو إلى خط أحمر واضح وهو أن: إيران تعمل على تجميع يورانيوم "متوسط التخصيب" يكفي لصنع قنبلة نووية. وتتوقف صحة هذا الخط الأحمر على أمرين. الأول، هل يلبي المعايير المطلوبة لأي خط أحمر- المصداقية وقابلية التطبيق؟ يمكن أن يكون هناك شك في مصداقية إسرائيل، نظراً لتاريخها الزاخر بتوجيه الضربات الاستباقية للبرامج النووية للخصوم. بيد أن قابلية التطبيق هي أمر آخر، ففي حين أن الخط الأحمر يمكن اكتشافه، يشك الكثيرون – بما في ذلك إيران – في قدرة إسرائيل على مواجهة ذلك وحدها.
ونظراً لأن هناك خطوط حمراء متعددة تفي بهذه المعايير، لا بد من طرح السؤال الثاني: هل الخط الأحمر الذي يتحدث عنه نتنياهو يحقق الهدف من سياسة الولايات المتحدة المزدوجة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي مع تأجيل النزاع العسكري لأطول فترة ممكنة؟
نظراً لأن المسؤولين في إدارة أوباما قد أعربوا علناً عن شكوكهم من قدرة إسرائيل على تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية وأكدوا أنه سيكون لدى الولايات المتحدة الوقت الكافي للقيام بعمل عسكري حتى بعد تقدم إيران إلى ما وراء النقطة التي حددها نتنياهو، فمن غير المرجح أن يجدوا خطه الأحمر مرضياً.
ومع ذلك فبعد بيان نتنياهو الواضح، فإن وضع خط أحمر يلبي بصورة أفضل الأهداف الأمريكية وكذلك المعايير القابلة للتطبيق والمصداقية هو أمر متروك لإدارة أوباما. وعندما يتعلق الأمر بالمصداقية، فقد قوضت الولايات المتحدة نفسها على عدة جبهات – عن طريق مكافأة التحدي الإيراني بعروض أفضل على طاولة المفاوضات، وفرض عقوبات على مضض، والسماح لكبار المسؤولين بالتحدث علناً ضد الخيار العسكري الذي يصر الرئيس الأمريكي بأنه لا يزال "على الطاولة."
إن أوباما محق في رغبته في تجنب الصراع مع إيران. ولكن لئلا يُساء فهم صبره على أنه تخوف ولئلا يضرب الحلفاء والخصوم على حد سواء عرض الحائط بالتحذيرات الأمريكية، عليه توخي الحكمة للتغلب على نفوره من الخطوط الحمراء.

صحيفة واشنطن بوست

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى